إحـــــاطة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة الى اليمن السيد مارتن غريفيث في الجلسة المفتوحة لمجلس الأمن
سيدتي الرئيسة، شكراً جزيلاً. شكراً على هذه الفرصة
لقد ذكرت منذ شهر لهذا المجلس أننا نواجه لحظة حاسمة في مصير هذا الصراع. الأحداث منذ ذلك الحين جعلت هذه اللحظة أكثر أهمية. كما رأينا في عدن وأبين، فإن المشاكل المتعلقة بمستقبل اليمن يتم طرحها بقوة أكثر من ذي قبل. لقد أصبحت تجزئة اليمن تهديدًا أقوى وأكثر إلحاحًا. إنّ هذا الأمر يجعل جهودنا في عملية السلام اليمنية أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. لا وقت لنضيّعه. لقد أصبحت المخاطر كبيرة للغاية بالنسبة لمستقبل اليمن والشعب اليمني والمنطقة ككل.
أذكر بوضوح أحد كبار القادة اليمنيين وهو يقول لي: "إنّ ما نريده، بل كل ما نريده هو عودة المدنية الى حياتنا. لإعادة اليمن إلى النسيج الإجتماعي الذي رعى شعبه لقرون". لقد كان على حق. إنّ المأساة الفورية للموت والمرض والجوع والإصابات تحدث ضمن سياق تدمير الدولة والمجتمع. إنّ الحرب الأهلية لعنة على شعبها. إنّ الصراع يدور في الشوارع والريف حيث يعيش المدنيون وتغيرت حياتهم وتَلفت ودُمّرت وهذا أحيانًا يمتد الى جيل حيث أن الوقت اللازم لإعادة إحياء هذا المجتمع، وهو أمر أساسي لبلد حي، ليس شيئا بسيطاً.
سيدتي الرئيسة، اليمن لا يُمكنه الانتظار.
منذ الإحاطة الأخيرة، أُتيحت لي الفرصة للقاء ممثلي الأحزاب اليمنية والمجتمع الدولي. حيث يواصل الطرفان التأكيد لي على رغبتهما القوية في التوصل إلى حل سياسي وأعتقد أنّهم والمجتمع الدولي يشاركوني شعوري بالإلحاح للمُضي قُدمًا في المناقشات حول حل لإنهاء الصراع وإستئناف الإنتقال السياسي.
هذا الشعور بالإلحاح يتناقض بشكل مؤلم مع جهودنا حتى الآن لحل النزاع. كل خطوة ناقشناها في هذه القاعة تم المحاربة من اجل التوصّل اليها والتفاوض بشأنها وبالتالي تأخيرها. لا شيء يأتي بسهولة في اليمن. عندما بدأت هذه المهمة، تلقيت تأكيدات واضحة بأن إفتتاح مطار صنعاء كان وشيكًا. نحن ما زلنا ننتظر. حتى الرحلات الجوية الإنسانية التي تمّ التفاوض بشأنها بصعوبة على مدى عدة أشهر من قبل زميلتي ليز غراندي ومنظمة الصحة العالمية لم تبدأ بعد. وقد أظهر اتفاق استكهولم، وهو إجراء لبناء الثقة له غرض إنساني بسيط، مدى ضعف مثل هذه الاتفاقات عندما يتزعزع الإلتزام بحل سلمي. إنّ قائمة الإحباط طويلة، ويجب ألا تنمو لفترة أطول.
سيدتي الرئيسة،
قبل أن أنتقل إلى الوضع على الخطوط الأمامية وفي عدن، أودّ تقديم بعض التحديثات حول تنفيذ اتفاقية استكهولم والتطورات الأخرى في اليمن.
يتمثّل جوهر هذا الاتفاق المتعلق بالحديدة بوقف إطلاق النار على مستوى المحافظة والضرورة الإنسانية المتمثلة في الحفاظ على تدفق المساعدات المنقذة للحياة عبر هذه الموانئ الثلاثة. حتى اليوم، وبعد ثمانية أشهر، لم تكن هناك عمليات عسكرية كبيرة في مدينة الحديدة وكان هناك انخفاض مستمر في العنف، المساعدات تواصل التدفق من خلال الموانئ. ان هذا في حد ذاته إنجاز كبير لا يزال يُفيد السكان المدنيين في الحديدة ولكن أيضًا أولئك الذين يعيشون في أماكن أخرى في اليمن الذين يعتمدون على خط المساعدات الإنساني هذا.
سيكون تنفيذ الأجزاء المتبقية من اتفاق الحديدة خطوة مهمة على الطريق نحو استئناف تلك العملية السياسية التي أشرت إليها للتو، ويشجعني التواصل المستمر مع الطرفين والتزامهما بآلية معززة لوقف إطلاق النار تحت قيادة بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاقية الحديدة (أُونمها) ولجنة تنسيق إعادة الانتشار. نُواصل، مع زملائي في بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاقية الحديدة (أُونمها)، جهودنا لدفع عملية إعادة نشر القوات وإنشاء آلية مراقبة ثلاثية.
منذ الإحاطة الأخيرة، قدّمنا إقتراحًا للأطراف لإحراز مزيد من التقدم في تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاقي الحديدة ونتوقع ردًا رسميًا نهائيًا منهم بحلول 25 آب/أغسطس. أنا واثق من أنه سيصدر قريباً منهم، حيث يتضح من مناقشاتي مع الأطراف أنهم يدرسون الاقتراح بعناية.
أود أن أضيف سيدتي الرئيسة، أنّ اتفاق الحديدة كان يهدف فقط إلى أن يكون تدبيرا مؤقتا لتفادي المزيد من الصراع ولسد فجوة إنسانية. لم يتم تصميمه، حسب ما يظن البعض، ليُشكّل سابقة لمعالجة القضايا الأساسية للصراع وأهمها بالطبع مسألة السيادة. الآن بعد عدة أشهر من المفاوضات، يدرك الطرفان تمامًا ما يستطيع الطرف الآخر قبوله، وآمل بناءً على هذه المعرفة، أن تكون إجاباتهم لي بحلول بداية الأسبوع القادم بنّاءة وعملية بشأن المُضي قُدماً.
إنني متشجع للغاية لأن لدينا الآن اتفاقًا وأعتقد أن زميلتي أورسولا ستشير أيضًا إلى ذلك، وآمل ألا أكون متداخلاً معها، بشأن تسهيل وصول بعثة التقييم التابعة للأمم المتحدة المقرر نشرها، أعتقد في السابع والعشرين من آب/أغسطس، لتقييم ناقلة النفط "صافر"، السفينة المتداعية بالقرب من ميناء رأس عيسى مع شحنتها من النفط. إنّ مُهمة التقييم هذه، وهي برعاية مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع، مهمة للغاية للتخفيف من مخاطر العواقب البيئية الشديدة، كما ناقشنا في هذه القاعة، على طول شاطئ البحر الأحمر اليمني.
إنّ المفاوضات مستمرة بشأن تنفيذ عمليات تبادل الأسرى والمحتجزين. إنها لفتة إنسانية في جوهرها دعت إليها مجموعات المجتمع المدني، ولا سيما الجماعات النسائية علناً وسراً. لقد جلس الطرفان لعدة أيام في استوكهولم وعقدا مناقشات فنية مفصلة هنا، حيث أنا، سيدتي الرئيسة، وبعد ذلك في عمّان في الأشهر التالية. إنّ بُطئ هذه المفاوضات يُطيل معاناة الأسرى وعائلاتهم. وأعتقد أنه ينبغي لنا أن نكون قادرين على معالجة مخاوف الطرفين في الاقتراح الذي طرحتُه على الطاولة أمامهما والذي أشرتُ إليه من قبل. آمل أن يتلقى ردا إيجابيا.
أشعر الآن بالإحباط، مثل الجميع، لأنّ التقدم المحرز في الحديدة لم يكن أسرع ولأنني غير قادر على الإعلان عن المزيد من التطورات المهمة في ذلك الاتفاق وأنه لم يكن هناك أي تنفيذ ملموس للاتفاقيات بشأن تعز أو في تبادل الأسرى والمحتجزين الذين أشرت إليهم للتو.
يُمثّل اتفاق استوكهولم علامة فارقة في عملية السلام في اليمن، وسيكون ذا فائدة كبيرة للأطراف والشعب اليمني، حيث سيتم تنفيذه بالكامل. ولكن من الواضح أيضًا أنه لا يجب أن نسمح تنفيذه يتجاوز واجبنا الأوسع لإنهاء الصراع. أُكرر مرةً أُخرى سيدتي الرئيسة، اليمن لا يستطيع الانتظار.
سيدتي الرئيسة،
إستمرت العمليات العسكرية في العديد من المحافظات، بما في ذلك محافظات صنعاء وصعدة وتعز والجوف والبيضاء وحجة والضالع وكذلك على الحدود اليمنية مع المملكة العربية السعودية. إنّ التأثير المستمر للعمليات العسكرية على المدنيين أمر مروع، وأنا متأكد من أننا سوف نسمع من زميلي بشأن المدنيين، بما في ذلك الهجوم على سوق في صعدة في أواخر تموز/يوليو. أُدين الجهود المستمرة التي يبذلها أنصار الله لإستهداف البُنية التحتية المدنية في المملكة العربية السعودية بشكل متعمّد، بما في ذلك التطور الأخير بإستهداف المنشآت المدنية في الجزء الشرقي من البلاد. المزيد من التهديدات للحياة المدنية وأعمال الاستفزاز العسكري لن تؤدي إلاّ إلى تعميق الفجوة بين الطرفين وزيادة تأثير هذا النزاع خارج حدود اليمن وتأجيل الاهتمام الذي نطلبه جميعاً للجهود المبذولة لتحقيق حل لهذا الصراع.
أنتقل الآن، سيدتي الرئيسة، إلى الأحداث في عدن وأبين. تُظهر لنا هذه الأحداث مدى تعقيد وتذبذب التحديات التي نُواجهها في تحقيق السلام والمخاطر إذا لم ننجح. لا يمكننا التقليل من المخاطر التي تُشكلها هذه الأحداث بالنسبة لمستقبل البلد.
في 7 آب/أغسطس وفي أعقاب الهجمات التي وقعت في عدن قبل أيام قليلة، إندلعت إشتباكات بين كتائب الحماية الرئاسية والقوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي. بعد ذلك، سيطر المجلس الانتقالي الجنوبي على المعسكرات العسكرية وحاصر مؤسسات الدولة الرئيسية في عدن بالقوة. في الليلة الماضية، اتخذت القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي خطوات أُخرى لزيادة سيطرتها العسكرية في محافظة أبين.
وقد أدى العنف إلى مقتل العشرات من المدنيين وإصابة مئات آخرين. لقد شعرت بالقلق إزاء هذا العنف، وأنا متأكد من أن أعضاء هذا المجلس مثلي. أنا أُدين الجهود غير المقبولة التي يبذلها المجلس الانتقالي الجنوبي للسيطرة على مؤسسات الدولة بالقوة. كما أشجب مضايقة اليمنيين من الأصل الشمالي في عدن، مثل العنف الجسدي والتهجير القسري والحرمان من حرية التنقل، بما في ذلك استهداف المسؤولين الحكوميين والمؤيدين.
استمرار هذا الوضع الحالي هو ببساطة أمر غير مقبول. ومن شبه المؤكد أن عمل مؤسسات الدولة قد ينهار أكثر وستصبح الحياة اليومية للشعب أكثر صعوبة. هناك بالفعل خطر كبير يتمثل في المزيد من الضرر للنسيج الإجتماعي في اليمن وانتشار العنف إلى المحافظات الجنوبية الأخرى. في هذا الوقت، سيدتي الرئيسة، من الصعب معرفة أين ستقودنا الأحداث.
أنا ممتن لجميع الدول الأعضاء، بما في ذلك أعضاء هذا المجلس، الذين دعوا إلى ضبط النفس والحوار. على وجه الأخص، وأرحب بجهود التحالف لاستعادة الهدوء والجهود التي تبذلها المملكة العربية السعودية لعقد حوار في جدّة لمناقشة الوضع وحل مشاكله. من الضروري أن يُعقد الإجتماع في المستقبل القريب لمنع المزيد من التدهور ولضمان استمرارية الحكم والأمن وتوفير الخدمات الأساسية، تحت السلطة الحصرية للدولة، في عدن وغيرها من المناطق ذات الصلة.
سيدتي الرئيسة،
في هذا السياق ومع أخذ هذه الاحداث بعين الاعتبار، يجب أن نكون أيضاً على علم بخطر تجدد أنشطة جماعات العنف المتطرّفة. إنّ المجلس يتذكر أنّ القاعدة في جزيرة العرب قد سيطرت على عاصمتي أبين وحضرموت لفترات طويلة من الزمن في السنوات الأخيرة. وخلال الشهر الماضي وحده، شهدنا هجمات من قبل تنظيم القاعدة وما يسمى بالدولة الإسلامية في محافظات عدن وأبين والبيضة. ومن المؤكد أنّ المزيد من تجزئة الأمن في عدن وغيرها من المناطق قد يسمح لهذه الأنشطة بالتوسّع والحصول على الزخم مرة أخرى مع تأثير رهيب على السكان المدنيين وآفاق الاستقرار في المستقبل في هذا الموقع الاستراتيجي المهم.
سيدتي الرئيسة،
إنّ الوضع على الأرض يتغير بوتيرة كبيرة ونحن بحاجة إلى اغتنام فرص التقدّم. لا تزال الأمم المتحدة ملتزمة بالحوار الشامل لحل الخلافات ومعالجة المخاوف المشروعة لجميع اليمنيين، بما في ذلك المجموعات الجنوبية، وفقاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، ومُبادرة مجلس التعاون الخليجي وآلية تنفيذها ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل.
كما تُذكرنا الأحداث الأخيرة، فإن المشاكل طويلة المدى حول مستقبل اليمن لا تزال دون حل. وأعتقد أنّ هذه لا يُمكن حلّها إلاّ من خلال الوسائل السياسية السلمية. لهذا السبب قُمت دائمًا بالحديث مع مجموعات عديدة من المحافظات الجنوبية وفي أماكن أُخرى في اليمن، ودافعت منذ وقت طويل عن إدراجها في عملية السلام. إنّ هناك مجموعة من وجهات النظر التي يجب مراعاتها في أي حوار حول مستقبل اليمن، ونحن بحاجة إليها جميعها لمساعدتنا في التأكد من أن المستقبل مستقر وآمن. وهذا له أهمية حيوية بالنسبة للجهود المبذولة لإنهاء الصراع ولضمان الإستئناف في ظل الإنتقال السياسي الذي انقطع بسبب هذه السنوات الأخيرة.
آمل أن يعتبر جميع اليمنيين المعنيين، من جميع أنحاء البلاد، أحداث عدن كإشارة واضحة على ضرورة إنهاء النزاع الحالي بسرعة وبسلام وبطريقة تُلبّي إحتياجات اليمنيين في جميع أنحاء البلاد. لقد كان تنفيذ اتفاق استكهولم ذات أهمية كبيرة من الناحية السياسية وكان له فائدة ملموسة على أرض الواقع. لكن لا يمكن أن يكون ذلك شرطاً مُسبقاً لتحقيق السلام في كل اليمن. إنّ كل يوم إضافي من الصراع يزيد من المأساة والبؤس. لا يمكن لأي بلد أن يتسامح مع ضغوط الصراع الداخلي إلى أجلٍ غير مسمى.
وأخيراً، سيدتي الرئيسة ،اليمن ليس بمقدوره الانتظار.
شكراً جزيلاً.