إحـــــاطة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة الى اليمن السيد مارتن غريفيث الى مجلس الأمن
شكرًا جزيلاً سيدي الرئيس، وأتمنى عامًا سعيدًا لجميع الأعضاء،
منذ المرة الأخيرة التي خاطبت فيها المجلس، مرت منطقتنا بأزمة تهدد عواقبها المكاسب التي نلاحظها في اليمن. لحسن الحظ، يبدو أن الأزمة المباشرة قد انتهت، وأجرؤ على القول إن تضافر جهود الكثيرين قد أبقى اليمن في مأمن من هذه الأزمة في الوقت الحالي. ويستند هذا الإنجاز، وهو إنجاز حقيقي، إلى إجماع على أن اليمن يجب ألّا يتأثر بالتوترات الإقليمية.
الأهم من ذلك هو أننا لم نر أي أعمال استفزازية عسكرية كبرى في اليمن خلال وقت الأزمة، مما يعد أمرًا جديرًا بالاهتمام. في الواقع، كان هذا الأسبوع من أكثر الأسابيع هدوءً في اليمن منذ بدء الحرب، حيث كانت هناك ضربة جوية واحدة فقط في فترة الأسبوعين السابقين، وحركة عسكرية محدودة للغاية على الأرض، كما لم تكن هناك هجمات بطائرات مُسيرة أو صواريخ على الدول المجاورة. لذا آمل، آمل ألّا يكون من السابق لأوانه القول إن اليمن قد خرج من هذه الأزمة سالماً حتى الآن.
لم يتحقق هذا الإنجاز عن طريق الصدفة. لقد عمد القادة اليمنيون والقادة في المنطقة لممارسة ضبط النفس، كما امتنعوا عن أي أعمال استفزازية.
سيدي الرئيس،
أود أن أقدم تعازيي بوفاة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد آل سعيد المعظم الذي توفي في العاشر من يناير/كانون الثاني. لا شك أن السلطان قابوس كان قائدًا ملهمًا في عمان في مجال السلام والمصالحة. وأتمنى لجلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد النجاح في قيادة بلاده في السنوات القادمة، وهو أمر مهم للغاية بالنسبة لكل المهتمين بالقضية التي نناقشها اليوم.
سيدي الرئيس،
لقد امتحنت الأزمة الإقليمية صمود مختلف الجهود المختلفة التي تبذلها الأطراف، وهي المساعي التي ينبغي أن تحرز تقدمًا إذا أردنا أن ندرك الطموح المنشود بتحقيق السلام في اليمن في عام 2020.
أود أن ألفت انتباه المجلس، إذا سمحتم، إلى هذه الجهود المتمثلة أولاً في خفض تصعيد الأعمال العدائية العسكرية، وثانيًا في تنفيذ الاتفاقات التي أبرمت في ستوكهولم والرياض. وأود أيضًا أن أشير بإيجاز إلى الجهود المبذولة لاتخاذ تدابير إضافية مُساعِدة من جانب الأطراف، وهي تدابير لها قيمة حقيقة في ذاتها كما أنها تبني الثقة بين الأطراف.
أين نقف إذًا فيما يخص كلٍ من تلك المساعي؟
أولاً، فيما يتعلق بوقف تصعيد العمليات العسكرية، لقد قلت للمجلس في نوفمبر/تشرين الثاني إن الحرب الجوية في اليمن قد انخفضت بنسبة 80 في المائة. كان هذا إنجازًا مهمًا في حينها، ولكن أعتقد أن الأكثر أهمية من ذلك هو استدامة ذلك الانخفاض، بل وتحسنه أيضًا. فمنذ بداية شهر يناير/كانون الثاني، مرت تسعة أيام دون أية غارات جوية على الإطلاق. صحيح، هو بالتأكيد صحيح بشكل مفجع، أن بعض الجبهات لا تزال نشطة ولا يزال هناك الكثير جدًا من وفيات المدنيين، إلّا أن حركة القوات والجيش على الأرض قد انخفضت. نحن بالتأكيد، وأتمنى أن يكون ذلك حقيقيًا وأتمنى أن يظل حقيقيًا، نشهد واحدة من أهدأ فترات هذا النزاع. هذا ليس شيئًا بسيطًا. واستدامة التهدئة حتى في وقت الأزمة كما ذكرت سابقًا هو أمر جدير بالملاحظة. لا ينبغي الحكم على هذه الجهود من خلال ما إذا كانت تحقق وقفًا تامًا لإطلاق النار، ولكن بما إذا كانت طاقات الأطراف موجهة بعيدًا عن الحرب. إلا أن التجربة تخبرنا أيضًا أن التهدئة العسكرية لا يمكن أن تستمر بدون إحراز تقدم سياسي بين الطرفين، وهو التحدي القادم.
ثانيًا، سيدي الرئيس، أود التعليق على التقدم المحرز في تنفيذ اتفاق الرياض. وأود أن أثني على الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، وهي الأطراف التي أبرمت الاتفاق، بدعم من المملكة العربية السعودية، لجهودهم والتزامهم في تنفيذ تلك الالتزامات. إن التحسن النسبي في الوضع الأمني في عدن يبشر بالخير فيما يتعلق بجهودهم. كما يعد التزم الأطراف مجددًا باتخاذ تدابير محددة زمنيًا لدعم تنفيذ اتفاق الرياض علامة إيجابية. وأعلم بشكل مباشر أن هناك مفاوضات يومية مفصلة تحدث بينما نحن هنا، وآمل أن نرى تعيينات مهمة في عدن في الأيام المقبلة. أنا واثق إلى حد كبير من أن تنفيذ ذلك يسير في الاتجاه الصحيح.
بشكل عام، هذه أخبار جيدة، بالطبع، لأنها تمثل نقطة بداية نحو فتح صفحة جديدة تسودها وتملأها وتعنونها مشاورات صادقة بين الأطراف اليمنية من أجل الوصول لحل سياسي لإنهاء الأزمة اليمنية.
أنتقل الآن سيدي الرئيس إلى اتفاق ستوكهولم، ولا سيما الحديدة.
يجب ألا يشعر أي منا بالرضا عن سجل تطبيق هذه الاتفاقية، لكن يمكننا أن نشعر بالارتياح لأن الأمم المتحدة والأطراف لا يزالون ملتزمون ونشطون أكثر من أي وقت مضى لتنفيذ الالتزامات التي تعهدوا بها بها في ستوكهولم منذ ما يزيد عن العام.
يعمل الطرفان معًا يوميًا على متن سفينة بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة الراسية في ميناء الحديدة، وفي مراكز المراقبة المشتركة ويقومون بمواصلة الجهود لتعزيز تنفيذ الاتفاقية. على الرغم من استمرار العنف في المناطق الجنوبية من المحافظة للأسف، إلّا أن الهدوء النسبي في الخطوط الأمامية في مدينة الحديدة يدل على فعالية التدابير الرامية إلى تعزيز خفض التصعيد، وهو الأمر الذي يمكننا ويجب علينا البناء عليه.
انخرطت لجنة تنسيق إعادة الانتشار، والتي تم إنشائها بموجب الاتفاقية، في مناقشات حول خارطة طريق الآن لفتح ممرات إنسانية من شأنها تحسين قدرة المنظمات الإنسانية على الوصول، وأعلم أن راميش سيركز على هذا لاحقًا، وتحسين حركة المدنيين في المحافظة. آمل أن يتمكنوا من التوصل إلى اتفاق بشأن هذه الممرات في الأسابيع المقبلة، وأن يمهد ذلك الطريق بالفعل لمزيد من المناقشات حول تنفيذ إعادة انتشار القوات.
يجب أن أذكر أنه على الرغم من الإنجازات التي تحققت في الحديدة، إلا أن القيود المستمرة المفروضة على حرية حركة موظفي بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة لا تزال مصدر قلق، وكنت قد أثرت هذه النقطة في صنعاء قبل أعياد الميلاد. إن القيود المفروضة على دوريات بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة في الحديدة والموانئ وعلى أنشطة البعثة اللوجستية وأنشطة الدعم تتناقض مع روح اتفاقية ستوكهولم وأكرر دعوتي لاستئنافها الفوري.
ذكرت سابقًا أمام هذا المجلس، سيدي الرئيس، أننا شهدنا تقدمًا كبيرًا فيما يتعلق بدخول سفن الوقود للحديدة وجمع الإيرادات على النحو المتفق عليه في اتفاقية ستوكهولم. منذ إنشاء تلك الآلية في نوفمبر/تشرين الثاني وحتى نهاية عام 2019، وصل المزيد من الوقود إلى الحديدة أكثر من أي فترة أخرى مماثلة في عام 2019، كما تم إيداع مجمل الضرائب التي تم جمعها في حساب في البنك المركزي اليمني بالحديدة. ونحن نعمل مع الأطراف للتوصل إلى اتفاق حول كيفية استخدام العائدات لدفع رواتب الموظفين المدنيين على النحو المنصوص عليه في اتفاقية ستوكهولم.
سيدي الرئيس، الآن ننظر بإيجاز في اتخاذ مزيد من تدابير بناء الثقة.
يشير مقترح الرحلات الإنسانية إلى مشروع لمنظمة الصحة العالمية تفاوضت عليه المنظمة مع الحكومة اليمنية وأنصار الله على مدى عدة أشهر. ستنقل تلك الرحلات المرضى الذين يحتاجون إلى رعاية طبية غير متوفرة في اليمن إلى مواقع متفق عليها في الخارج. في الأسابيع الأخيرة، شهدت منظمة الصحة العالمية دعمًا دبلوماسيًا غير عادي لتنفيذ تلك الرحلات. بالفعل، قدم التحالف دعمه للمشروع في بيان صدر في 26 نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي. ويمكنني أن أخبركم أن عددًا من الدول الأعضاء قد تدخل على أعلى المستويات لإزالة أي عقبات أمام هذا المشروع، ونحن نشكرهم على هذا العمل الدؤوب. نحن على وشك أن نرى أول رحلة تنقل 30 مريضًا ينتظرون الآن في صنعاء لتلقي العلاج. آمل حقًا أن نرى تحقق أولى تلك الرحلات قبل حلول موعد اجتماعنا في الشهر المقبل، سيدي الرئيس.
لا شك أن إطلاق سراح ستة محتجزين سعوديين من قبل أنصار الله في 1 يناير/ كانون الثاني هو دليل آخر على حسن النية بين الأطراف، وأشكر أنصار الله على هذه البادرة الإنسانية الهامة، وأشكر اللجنة الدولية للصليب الأحمر لدعمهم في نقل المحتجزين من اليمن إلى المملكة العربية السعودية. مع ذلك،يحب أن أقول إنه لا يرقى إلى مستوى تطلعات الأطراف بموجب اتفاقية ستوكهولم والمناقشات بشأن إطلاق سراح عدة آلاف من السجناء والمعتقلين. لازلنا نأمل أن يتمكن الطرفان من تحقيق ذلك في القريب العاجل، وأنوي، من ناحيتي، إعادة انعقاد لجنة تبادل المحتجزين التي تم إنشاؤها بموجب اتفاقية ستوكهولم في الأيام المقبلة بهدف إطلاق سراح أعداد كبيرة من المحتجزين.
سيدي الرئيس،
في النهاية، كل هذه المبادرات والتدابير المرتبطة بها تدعم البحث العاجل عن حل سياسي وعن نهاية للصراع في اليمن. لا يتوقف هذا السعي، لا يتوقف، على نجاح أيٍ من تلك المبادرات، بل يعززه نجاحهم جميعًا. مع كل خطوة إيجابية، نقترب من الشروع رسميًا في إطلاق مشاورات سياسية بين الحكومة اليمنية وأنصار الله. لقد تحدثت عن ذلك في هذا المجلس في عدة مناسبات، على أمل أن نرى هذا يحدث قريبًا.
في الواقع، إن أهمية ومعنى المبادرات التي تطرقت إليها لا يصبح حقيقيًا إلا في سياق ذلك الحل السياسي لإنهاء النزاع. ولقد ناقشنا بالفعل، في هذه القاعة وفي المشاورات، الحاجة إلى نفاد الصبر في هذا الصدد. لقد أقترب اليمن حديثًا من مأساة محتملة بسبب التوترات الإقليمية، ولكن يبدو أن اليمن قد خرج سالمًا حتى الآن. يعد ذلك دليلاً على رغبة القادة في الحفاظ على اليمن في مأمن من هذه التوترات، ولكن هذا الأمان يزال هشًا وبحاجة لاهتمامنا الدؤوب والمستمر إذا كنا سنستطيع تنفيذ ذلك الوعد للشعب اليمني بأن هذا العام، يمكن أن يروا السلام الذي يستحقونه عن جدارة.
شكرًا سيدي الرئيس