المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة الى اليمن يقدّم احاطته الاخيرة لمجلس الامن

UN Photo / Rick Bajornas

28 فبراير 2018

المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة الى اليمن يقدّم احاطته الاخيرة لمجلس الامن

السيد الرئيس،

أنا أقدم اليوم الإحاطة الأخيرة الى هذا المجلس الموقر قبيل انتهاء مهامي كمبعوث خاص للأمين العام للأمم المتحدة الى اليمن.

لقد بدأت مهمتي في نيسان/أبريل 2015، وكان اليمن يتخبّط في نزاع أدى الى تدمير الاقتصاد ونظام الرعاية الصحية والمساكن والطرقات والمدارس، أي كل ما يحتاجه اليمنيون للعيش والازدهار.

وقد واصلت الأطراف المتنازعة النمط العشوائي المدمّر والممارسات السياسية غير المدروسة التي أخذت البلاد الى مزيد من الفقر والدمار. ان أصحاب القرار في هذه الحرب  يعتبرون التنازل ضعفاً، والاختلاف تهديداً فيتمادون في اتخاذ خطوات استفزازية وغير مسؤولة غير آبهين لمعاناة المدنيين الذين يعانون يوميا من مخلفات الحرب. 

لقد شهد الشهران الأخيران تصعيداً واسعاً في المواجهات العسكرية في الحديدة، الجوف، صنعاء، والبيضاء، بالإضافة الى مناطق على الحدود اليمنية السعودية ولا يزال الحوثيون مستمرين في اطلاق الصواريخ الباليستية باتجاه المملكة العربية السعودية. كما عرفت محافظة تعز قتالا دموياً ومدمّرا وعانت عدن والمحافظات المحيطة بها من الاشتباكات المتواصلة. ولا بد من الاشارة الى موجات العنف الأخيرة التي شهدتها المدينة في 28 كانون الثاني / يناير ما أدى الى مقتل العشرات وجرح المئات. انني اكرّر دعوتي الى جميع المعنيين في عدن الى ضبط النفس وضبط خطابهم السياسي وحلّ الخلافات بطريقة بناءة ترتكز على الحوار والاتفاق السلمي.

وما يزيد من خطورة الوضع، صدور تقارير من منظمات إنسانية متعددة تؤكّد أنّ أطراف النزاع جندت آلاف الأطفال حتى الآن وهي على علم أن هذه الممارسات هي انتهاك فاضح لحقوق الطفل. وتؤكد التقاريرأنه بالرغم من انتشار هذه الممارسات بين جميع الأطراف اليمنية، الا أن استعمال الحوثيين الممنهج لتجنيد الأطفال قد تكون له انعكاسات على مستقبل البلاد.

لا بد من أن تحترم الأطراف حقوق الانسان والقانون الإنساني الدولي. فإنّ أي استهداف متعمّد او مباشر على مدنيين او على أهداف مدنية يشكل انتهاكا مباشرا للقانون الإنساني الدولي. ومن الضروري  احترام مبادئ التمييز والنسبية والحذر، والتأكد من حصول السكان المتضرّرين على المساعدة الإنسانية.

السيد الرئيس،

إنّ تفاقم النزاع أدى الى تفاقم الازمة الاقتصادية والإنسانية، ممّا جعل الوضع الانساني في اليمن من الأسوأ في العالم. فمنذ العام 2015، شهد الاقتصاد اليمني انكماشاً وصل الى نسبة 40%. وفي عام 2017، تراجعت قيمة الريال اليمني بما يقارب 50%. ان تراجع العملة ترافق مع ارتفاع حاد في الأسعار مما أثر على التشغيل المتفاوت للموانئ وأعاق وصول المواد الأساسية. وقد أثرت هذه العوامل بشكل مباشر على القطاع الخاص وعلى رواتب القطاع الحكومي. فلا شك أن عدم دفع الرواتب لما يزيد عن عام كامل في مناطق عدة يشكل عبئا كبيرا على المواطن اليمني اذ تبين أنه يتم استخدام الايرادات التي من المفترض ان تساهم في تسديد الرواتب وتأمين الخدمات الأساسية وتحفيز الاقتصاد، من أجل تمويل الحرب. وبالاضافة الى ذلك، تتنامى ظاهرة  الضرائب غير الرسمية وغيرها من اشكال الفساد مما يزيد من تردي الوضع الانساني.

إنّ كل هذه العوامل تشير الى أنّ العائلة اليمنية تفقد اكثر فأكثر قدرتها الشرائية كما الحصول على الخدمات الأساسية التي تحتاجها. فما يقارب 22.2 مليون يمني هم حاليا بحاجة الى نوع من أنواع المساعدة الإنسانية، مقابل 15.9 مليون في آذار/مارس 2015.

وفي سياق هذه التحديات الإنسانية الخطرة، نرحب بتعهّد المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة  بالتبرع بمبلغ مليار دولار أميركي لدعم العمل الإنساني وإعادة الاعمار في اليمن، بالإضافة الى التزامهما استقطاب 500 مليون دولار اضافي من جهات مانحة أخرى في المنطقة. نأمل أن تفعل هذه المبادرات وأن تصل هذه المبالغ بأسرع وقت ممكن للتخفيف من خطورة الوضع الحالي.

السيد الرئيس،

ان دور المرأة اليمنية في خطر متزايد  كما أن حقوقها الأساسية لا تحترم. لقد سمعت من عدد من النساء اليمنيات أنهنّ "يعشن في سجن كبير"، فقدن فيه حرية التعبير والتصرف. فعندما يرفعن الصوت للتعبير عن الرأي يواجهن بالاضطهاد وبمحاولات عنيفة لاسكاتهن. الا أنه، بالرغم من التهديدات اليومية، تبقى المرأة اليمنية قوية ومناضلة لا ترضى الاستسلام  ومن الضروري اشراكها والشباب اليمني في عملية السلام.

السيد الرئيس،

أودّ أن أُعرِب عن امتناني للبنك الدولي على نهجه المستحدث في اليمن، الذي يعتبر فريداً في بلد يواجه الأزمات. لقد ساهمت الشراكة بين مكتبي والبنك الدولي بالتعاون مع  فريق الأمم المتحدة القطري ليس فقط في تخفيف معاناة بعض العائلات الأكثر عوزاً بل أيضا في ضمان عمل مؤسسات اليمن على المدى الطويل.

وكذلك أحيي مجموعة الثمانية عشر سفيراً المعتمدين لدى اليمن كما الدول التي استضافت المحادثات مع الأطراف بما فيها سويسرا والكويت وسلطنة عُمان. لقد زرت  في الأسابيع القليلة الماضية، عدداً من دول المنطقة والأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي ولا شك أن الجميع مدرك لأهمية التوصّل الى حل سلمي لهذه الحرب من أجل استقرار المنطقة ومحاربة الارهاب.

السيد الرئيس،

خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وخلال لقاءاتي المتواصلة مع الأطراف، تم وضع أسس متينة لاتفاق سلام من خلال تصديق الاطار العام في بيال عام 2015 ومناقشة الحيثيات والتفاصيل في الكويت عام 2016.

ان من تابع هذا الملف عن قرب، يعرف جيدا أن الأمم المتحدة لم تدخر جهدا لمساعدة الفرقاء اليمنيين على التوصل الى حل سلمي. لقد تطرقنا في اجتماعاتنا الى كل تفاصيل خارطة السلام بالترتيب الزمني ومع مراعاة كل المتطلبات والتحديات. وأنا أعلن اليوم ولأول مرة، أنه تم وضع مقترح كامل وشامل بالتشاور مع كافة الفرقاء الا أنهم رفضوا في الساعات، لا بل في الدقائق الأخيرة، التوقيع عليه. وقد تبين في نهاية المشاورات أن الحوثيين ليسوا مستعدين في هذه المرحلة لتقديم التنازلات في الشق الأمني أو حتى الدخول في تفاصيل خطة أمنية جامعة، مما شكل معضلة أساسية للتوصل الى حل توافقي.

نحن نرى يوميا تقارير عن مدنيين يموتون من الفقر والجوع والأمراض ولكن يجب ألا ننسى أن هناك سياسيين، من كافة الأطراف، يعتاشون من الحروب وتجارة السلاح واستغلال الأملاك العامة لأغراض شخصية. نراهم في خطاباتهم تارة يحركون النعرات لتعميق الشرخ في المجتمع اليمني وطورا يعلنون عن مواقف مؤيدة للسلام، بينما نسمعهم في المجالس الخاصة غير آبهين لمعاناة شعبهم. ان من يريد السلام يخلق الحلول وليس الأعذار.

ان خارطة السلام لليمن موجودة، وقد تم الاتفاق على المقترحات العملية للمباشرة بها وبناء الثقة بين الأطراف. ان ما ينقص هو التزام الأطراف بتقديم التنازلات وتغليب المصلحة الوطنية وهذا ما يشكك بارادتهم الفعلية لانهاء الحرب. أتمنى التوفيق للمبعوث الجديد السيد مارتن غريفيث في الجهود التي سيبذلها والتي سترتكز من دون شك على خبرته الواسعة في العمل الدبلوماسي وآمل أن تشكل هذه الخارطة ركيزة أساسية للمضي قدما وتفعيل عملية السلام.

في الختام، وعد وشكر ودعاء:

الوعد لليمنيين أن أتابع هذا الملف مع كل المعنيين به وأن أشارك خبرتي ومعرفتي بالشأن اليمني من أي مكان كان للمساهمة للتوصل الى السلام. فأنا كنت في اليمن قبل تولي مهامي كمبعوث خاص وأعرف عن كثب شهامة أهل اليمن وشيمهم وسأتابع تطور الملف حتى يرجع اليمن لليمن، ولو بعد انتهاء مهمتي.

الشكر لأعضاء هذا المجلس والمجتمع الدولي على الدعم الكامل لجهود الوساطة التي قادتها الأمم المتحدة خلال السنوات الثلاث الأخيرة بما في ذلك جهود مجلس التعاون الخليجي.

أما الدعاء، فهو للفرقاء اليمنيين الذين يتحملون المسؤولية الأولى لكل ما يجري، حتى يطووا صفحة الحرب البشعة من تاريخ اليمن. فالأمم المتحدة  تيسر مسار السلام والمجتمع الدولي يخلق الأجواء المؤاتية لها. وحدهم أصحاب القرار اليمني قادرون على ايقاف الحرب وهدر الدماء وهنا أكرر وحدهم أصحاب القرار اليمني قادرون على ايقاف الحرب وهدر الدماء.

ان المشهد الاقليمي مشحون بالتحديات والنزاعات السياسية والمذهبية والضغوط الاقتصادية. ولا شك أن مجريات الأشهر الأخيرة في اليمن ستعيد خلط الأوراق السياسية من جديد وتغير في بعض التكتلات الداخلية خاصة في ظل ما يشهده حزب المؤتمر الشعبي العام من ضغوط وتحديات بالاضافة الى ظهور أصوات جنوبية شعبية تعبر عن مطالبها.

أدعو الأطراف الى وقف الاقتتال وإعادة احياء المفاوضات الرامية الى التوصّل الى حلّ سلمي وتغليب ثقافة التعايش على لغة الحرب حتى يصبح اليمن منارة مشعة في الشرق الأوسط وبلدا يعمه الأمن السلام ويشارك بصنع القرار فيه رجاله ونساؤه وشبانه وشاباته من الغرب ومن الشرق، من الشمال ومن الجنوب.

شاهد الإحاطة خلال جلسة مجلس الأمن