كلمة المبعوث الأممي الخاص هانس غروندبرغ في منتدى اليمن الدولي، لاهاي، هولندا
صباح الخير. إنه لمن دواعي سروري أن أكون هنا حقًا. لقد التقيت بالفعل بمجموعة منكم ظهر أمس. أعتذر لعدم تواجدي بسبب تعارض المواعيد، نظرًا للتغييرات المفاجئة في جدول أعمال مجلس الأمن، كان يتعيّن عليّ المشاركة في جلسة مجلس الأمن يوم أمس، ولحسن الحظ تمكنت من المشاركة من أحد مكاتب الأمم المتحدة الموجودة هنا وهو أمر ممتن لأجله فقد أتاح لي ذلك إمكانية أن أكون معكم الآن وأن أشارك من هنا في لاهاي. الآن اسمحوا لي بأن انتقل إلى الأمر الأكثر رسمية وتقديم كلمة افتتاحية وسنعمل على استغلال الأيام القادمة بأفضل ما في وسعنا لمواصلة العمل المهم الذي نقوم به جميعًا من أجل اليمن.
أصحاب السعادة، السيدات والسادة، أود في البداية أن أعبِّر عن شكري لمركز صنعاء على تنظيمه لمنتدى اليمن الدولي وعلى ما بذله من جهود في جمع هذا اللفيف من المشاركين بمن فيهم أكثر من مائتي يمني ويمنية ممن تكبّدوا عناء السفر للقدوم إلى هذا الاجتماع من اليمن ومن عدد من الدول الأخرى، للعمل معًا على رؤية مشتركة للسلام، وأود أيضًا أن أعرب عن امتناني لحكومة هولندا لاستضافتها الاجتماع الثاني لمنتدى اليمن الدولي، مع اعتذاري في الوقت نفسه لعدم تمكني من الانضمام إليكم في الافتتاح الرسمي أمس، إذ تزامن ذلك الموعد مع تقديم إحاطتي لمجلس الأمن.
مضى عقد من الزمن تقريبًا منذ أن بدأت الحرب في اليمن، وتسببت هذه الفترة الطويلة من العنف المتواصل دون انقطاع تقريبًا في معاناة هائلة للشعب اليمني. فالكثير منكم فقدوا أحباء لهم بسبب النزاع بشكل مباشر أو غير مباشر. والكثير منكم أيضًا يعيش خارج اليمن بعيدًا عن الأهل والأصدقاء، لأنكم لا تشعرون بالأمان في اليمن. فالمعاناة الإنسانية شديدة إذ ما زال اليمن يمر بأزمة إنسانية قاسية ويحتاج أكثر من 21 مليونًا إلى المساعدة الإنسانية.
تزامن انعقاد الاجتماع الأول لمنتدى اليمن الدولي في ستوكهولم في حزيران/يونيو من العام الماضي مع توافق الأطراف حول تجديد الهدنة لأول مرة. وجاءت هذه الهدنة لتكسر دوامة طال أمدها من التصعيد والعنف، وخفضت كثيرًا من حدة الاشتباكات العنيفة والخسائر بين صفوف المدنيين، ففتحت بذلك نافذة من الهدوء النسبي لتسمح للأطراف بالتفكير في مستقبل سلمي، وأتاحت تطبيق مزيد من الخطوات الإيجابية. منها على سبيل المثال إطلاق سراح قرابة 900 محتجز على خلفية النزاع في وقت مبكر من هذا العام، والذي مثل دليلاً على الإنجازات التي يمكن للأطراف تقديمها عندما تنخرط في الحوار وتتعاون في سياق التفاوض السلمية. كما بدأت عملية تفريغ النفط من خزَّان صافر العائم المتهالك، لتجنب أزمة بيئية هائلة. وازداد عدد الرحلات التجارية الجوية بين صنعاء وعمّان في تطور إيجابي يسهم في رفع الحواجز التي تعيق حرية التنقل.
على الرغم من ذلك، ورغم اتخاذ الأطراف لعدد من الخطوات الإيجابية، فقد اتخذت أيضًا للأسف خطوات إلى الوراء، إذ اشتدت الحرب الاقتصادية، واتخذ الطرفان تدابير تصعيدية وتدابير مضادة اقتصادية ما زاد من وقع الضرر على اقتصاد اليمن الذي يعاني أصلاً من التحديات، وكان لذلك كما نعلم جميعًا أثرًا مدمرًا على الشعب اليمني في نهاية المطاف. ونحن وإن كنا نشهد خفضًا للتصعيد على الأرض، فقد شهدنا حوادث مزعزعة للاستقرار على عدة جبهات، وإن كانت على مستويات أقل مما كانت عليه قبل الهدنة. ومؤخرًا، شهدنا زيادة في حدة الخطاب بما يشمل تهديدات علنية بالتصعيد واسع المدى. تلك المستجدات، السيدات والسادة، تمثل تذكِرَةً واضحة لنا بهشاشة مكتسبات السنة الماضية ما لم يعززها التقدم في عملية سياسية تهدف إلى تحقيق سلام مستدام، جامع وعادل.
كلنا مدركون أنَّ الطريق نحو السلام سيكون طويلاً وصعباً، يتطلب تطبيق منهج تدريجي نظرًا لعمق غياب الثقة بين الأطراف. ويواصل مكتبي، بدعم من الشركاء الدوليين ومن مجهودات الحوار الإقليمية التي تشارك فيها المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان، الحوار مع جميع الأطراف لبلوغ اتفاق حول وقف لإطلاق النار مستدام في عموم اليمن وكذلك للاتفاق على جملة من التدابير الاقتصادية وتدابير بناء الثقة لتحسين حياة الشعب اليمني واستئناف عملية سياسية يقودها اليمنيون. فسنوات الحرب التسعة وما جرَّته من ويلات وآلام إنما تؤكد الحاجة إلى تقديم تنازلات ضرورية وصعبة لوضع نهاية للنزاع من خلال التفاوض، وعلى جميع الأطراف التحول من عقلية الرغبة بانتصار الطرف الواحد، إلى تغليب مصلحة اليمنيين واليمنيات ككل، والتحلي بالشجاعة والإحساس بالمسؤولية.
ما زال تركيز جهودي في الوساطة منصبًا على بدء عملية سياسية توفر منبرًا لليمنيين واليمنيات للتفاوض واتخاذ القرارات لبلوغ حل شامل للنزاع يلبي الطموحات التي نادى بها الشعب اليمني منذ قرابة العقد من الزمن المتمثلة في سلام عادل وجامع، ولا يمكن تحقيق ذلك السلام إلا بإشراك مختلف أطياف المجتمع اليمني من جميع أطراف البلاد في العملية السياسية بمشاركة كاملة فعلية للنساء والشباب، ذلك السلام يتطلب منح اليمنيين واليمنيات المساحة اللازمة للتصدي للأسباب والمظالم الجذرية للنزاع سعيًا لإنهاء دوامة العنف.
كثير من الحاضرين هنا يمكنهم لعب دور محوري في دفع اليمن على مسار السلام، يتناول جدول أعمال المنتدى لهذا العام بناء سلام جامع، وإحياء الاقتصاد اليمني، والعدالة والمصالحة، والدمج الفعلي للشباب والنساء وغير ذلك من قضايا مهمة. واتساع نطاق جدول الأعمال يجسد التحديات التي تنتظرنا، إنما الواضح أنَّكم لديكم القدرة والالتزام والقناعة اللازمة للتصدي لتلك التحديات، وهنا لا بد من أن أبدي جل تقديري واحترامي لمن كرَّس حياته منكم للبحث عن حلول تقود إلى يمن أكثر سلامًا وازدهارًا، ما يدفعني مجددًا إلى الثناء على مركز صنعاء وتقدير حكومة هولندا على جمعنا هنا في لاهاي، وهي مدينة سلام وعدالة، للعمل معًا من أجل رؤية جامعة للسلام في اليمن. وآمل أن تكون هذه الرؤية مصدر إلهام للأطراف في تصورها لمستقبل لليمن نابذ للعنف يعم فيه السلام ويحترم ويبني على ثراء التنوع في البلاد، ويلتزم بالديمقراطية والحرية وسيادة القانون وحُسنَ الإدارة والحوكمة الخاضعة للمساءلة، مستقبل يتمتع فيه اليمنيون واليمنيات بكامل طيف حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، في يمن مزدهر ذو سيادة له علاقات سلمية مع جيرانه.
أصحاب السعادة، أيها السيدات والسادة، كما ذكرت في البداية، مر قرابة عقد على بدء النزاع في اليمن، فدعونا نعمل جميعًا معًا حتى لا نرى اليمن يدخل عقد ثان من النزاع. دعونا ندعم اليمن على مساره لبلوغ اتفاق جامع شامل مستدام عادل ترعاه الأمم المتحدة، دعونا نستفيد من المنتديات مثل منتدياتكم لنضع الخطاب والحوار السياسي في صلب جهودنا لحل الخلافات وتحديد مستقبل اليمن. وبهذا أتمنى لكم ومن كل قلبي النجاح للمنتدى الدولي لليمن. شكرًا لكم وأتطلع إلى استقبال أسئلتكم وللمناقشة.
شكرًا جزيلاً.