مقابلة المبعوث الأممي هانس غروندبرغ لمركز سوث24
يعقوب السفياني: في ظل التصعيد في غزة، إلى أي مدى أثرت الصراعات والتوترات الإقليمية على جهودكم في اليمن، خصوصاً مع ازدياد تداخل الملفات الإقليمية؟
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ: إن الحرب المدمرة في غزة والاضطرابات الإقليمية ما زالت تقوّض آفاق السلام والاستقرار في اليمن. ما يجري هناك زاد من تعقيد المشهد المتشابك أصلاً الذي نتعامل معه في اليمن. وقد برز ذلك بوضوح مع التصعيد في البحر الأحمر منذ نهاية عام 2023، بما في ذلك هجمات أنصار الله والضربات عبر الحدود بين أنصار الله وإسرائيل. وكذلك غرق سفينتي Eternity C وMagic Seas في مطلع يوليو، وما خلّفه من سقوط ضحايا مدنيين، كله يذّكر بمدى خطورة الوضع.
هذه التطورات كلها تؤثر في حسابات الأطراف اليمنية وخياراتها المقبلة. وهناك خطر حقيقي من أن يتحول اليمن إلى ساحة صراع للتجاذبات الجيوسياسية الأوسع، وهو أمر لا يريده اليمنيون ولا يستحقونه.
مع ذلك، ما زلت مقتنعاً بأن الحل الدبلوماسي ممكن. لقد رأينا تجارب تثبت ذلك، ومنها وقف الأعمال العدائية بين الولايات المتحدة وأنصار الله الذي لعبت عُمان دوراً في تسهيله.
ومن خلال محادثاتي مع الفاعلين الإقليميين، هناك اتفاق واضح على أن التسوية التفاوضية وحدها هي التي يمكن أن تحقق سلاماً دائماً في اليمن وتوفّر الضمانات الأمنية المطلوبة على مستوى المنطقة، بما في ذلك البحر الأحمر.
يعقوب: في إحاطتك السابقة أمام مجلس الأمن، تحدثت عن رؤية مشتركة بين الأطراف اليمنية لعملية سياسية. ما أبرز ملامح هذه الرؤية؟ هل تتضمن اتفاقاً على هيكل الدولة أو الترتيبات الانتقالية؟ وما مدى واقعية فكرة خارطة الطريق؟ وهل تُظهر الأطراف إرادة سياسية حقيقية للمضي فيها؟
غروندبرغ: ما طرحته أمام مجلس الأمن كان جليّاً، نحن بحاجة إلى مضاعفة الجهود لمنح اليمن بديلاً حقيقياً للحرب ومخرجاً من حالة الجمود الراهنة.
الأطراف تتفق على بعض الأولويات الرئيسية، مثل الحاجة إلى وقف إطلاق نار شامل، وانفراجة اقتصادية، وعملية سياسية جامعة. لكن ما زالت هناك فجوات كبيرة، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الحساسة مثل هيكل الدولة وكيفية إدارة المرحلة الانتقالية. هذه ليست أسئلة سهلة، ويجب معالجتها عبر الحوار، بدءاً بخطوات تبني الثقة وتفتح المجال لمناقشات أعمق.
إعلان أنصار الله الأخير عن سك عملات معدنية من فئة 50 ريالاً وطباعة أوراق نقدية جديدة من فئة 200 ريال هو مجرد مثال على مدى تفكك المشهد الاقتصادي. ويُظهر مدى إلحاح الحاجة إلى التنسيق بدلاً من العمل بشكل منفرد.
أما عن خارطة الطريق، فهي ليست واقعية فقط، بل ضرورية. فهي تبني على المجالات التي شهدنا فيها قدراً من التوافق. وهي ليست اتفاقاً نهائياً، بل مساراً يقود نحوه، وتعكس ما يطالب به العديد من اليمنيين.
ولكن لإنجاحها، نحن بحاجة إلى أكثر من مجرد كلمات. الأمر يتطلب إرادة سياسية، وتقديم تنازلات، والتخلي عن عقلية المحصلة الصفرية. كما يتطلب معالجة شواغل الأطراف الإقليمية. لقد رأينا ما يمكن تحقيقه: فتح الطرق في الضالع، إطلاق سراح أسرى، وانخفاض وتيرة المواجهات على الجبهات. هذه خطوات صغيرة، لكنها مهمة وتُظهر أن التعاون قادر على تحقيق نتائج ملموسة.
يعقوب: هل تستعدون لدعوة الأطراف إلى جولة جديدة من المشاورات السياسية؟ وما الشروط التي ترونها ضرورية لنجاح مثل هذا الحوار، خاصة في ظل انعدام الثقة العميق بين مختلف الفصائل اليمنية؟
غروندبرغ: نحن على جاهزية كاملة لدعم الأطراف متى ما أظهروا استعدادهم للمضي قدماً. ينصب تركيزي حالياً على تشجيع الخطوات العملية التي يمكن أن تجعل الحوار أكثر فاعلية وتؤدي إلى نتائج دائمة.
نعم، التوقيت مهم، لكن البيئة التي تُعقد فيها المحادثات لا تقل أهمية. نحن بحاجة إلى تخفيف حدة التوترات، وضبط النبرة الخطابية، وإبداء رغبة حقيقية للوفاء بالالتزامات السابقة.
أنا وفريقي على تواصل منتظم مع جميع الأطراف لدعم إعادة الانخراط عبر المسارات السياسية والاقتصادية والأمنية، وذلك للمحافظة على الزخم وتمهيد الطريق للمفاوضات.
يعقوب: هل لديكم رؤية لحل القضية الجنوبية؟ وكيف تتعامل الأمم المتحدة مع دعوات الجنوبيين للاستقلال أو تقرير المصير؟
غروندبرغ: أنا أدرك أهمية دعوات الجنوبيين للاستقلال أو تقرير المصير. هذه المطالب تعكس مظالم متجذّرة ورغبة في تمثيل سياسي أوسع. أُدرك أن معالجة هذه التطلعات مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمسار السياسي العام في اليمن وبترتيبات الحكم المستقبلية. كما أنني أعي أن القضية الجنوبية لا يمكن تناولها بمعزل عن بقية القضايا. إنها مسألة محورية ينبغي التعامل معها من خلال عملية سياسية.
من منظور الأمم المتحدة، فإن التعامل مع القضية الجنوبية وشكل الدولة يستند إلى مبدأ أن النتائج يجب أن يقررها اليمنيون أنفسهم عبر حوار شامل. خارطة الطريق لا تستبعد هذه القضايا، لكن متوقع بأن تُطرح بشكل جاد بمجرد انطلاق العملية السياسية.
دور ومهام مكتبي يتمثلان في دعم اليمنيين على إدارة عملية انتقالية سلمية، جامعة ومنظمة، وفي تنفيذ أي اتفاقات يتوصلون إليها. هذه العملية تتيح لليمنيين، بمن فيهم الجنوبيون، التعبير عن تطلعاتهم ورؤاهم والمساهمة في صياغة مستقبلهم المشترك.
يتواصل مكتبي في عدن، إلى جانب فريقي، بانتظام مع المجلس الانتقالي الجنوبي وطيف واسع من الفاعلين الجنوبيين في مختلف المحافظات، بما في ذلك الأصوات السياسية والمدنية والقبلية. هذه اللقاءات جزء من مشاوراتنا الأوسع مع جميع الأطراف اليمنية. ونحن نعتبر هذه الانخراطات ضرورية لضمان أن أي عملية سياسية مستقبلية تعكس واقع اليمن، بما في ذلك المظالم والتطلعات طويلة الأمد للجنوب.
يعقوب: ما مدى التزامك بضمان إشراك منظمات المجتمع المدني – وخاصة الشباب والنساء – في العملية السياسية؟
غروندبرغ: أنا ملتزم تماماً بضمان أن يكون المجتمع المدني، وخاصة النساء والشباب، جزءاً من العملية السياسية. فالإشراك ليس مجرد شعار أو إجراء شكلي؛ بل هو أمر أساسي لتحقيق سلام حقيقي ودائم. النساء والشباب تحملوا الجزء الأكبر من أعباء هذا الصراع، وهم يستحقون بكل تأكيد أن يكون لهم مقعد على الطاولة للمشاركة في رسم ملامح المرحلة القادمة .
خلال زيارتي الأخيرة إلى عدن، التقيت عدداً من ممثلي المجتمع المدني، بينهم قيادات نسائية من أحزاب سياسية ومكونات أخرى. تحدثوا بوضوح عن التحديات التي يواجهونها، من تدهور الخدمات العامة إلى ارتفاع تكاليف المعيشة، وشاركوا رؤى قوية حول مستقبل اليمن. لقد ألهمتني عزيمتهم على المساهمة في إيجاد الحلول، وأكدت ذلك قناعتي بأن أي عملية سياسية جادة يجب أن تعكس أصوات وقيادة النساء والشباب في مختلف أنحاء البلاد.
لقد أجرى مكتبي مشاورات مكثّفة مع مئات من أصحاب المصلحة اليمنيين من مختلف الأطياف السياسية والاجتماعية، بمن فيهم النساء والشباب وزعماء القبائل والفئات المهمشة، وذلك عبر نقاشات مركّزة وحملات تواصل. وقد قمنا بذلك داخل اليمن وخارجه، عبر مزيج من اللقاءات المباشرة والافتراضية.
وبالمثل، نستمر في الانخراط مع منظمات المجتمع المدني التي تقودها نساء والتي تركز على قضايا النساء لضمان أن تسهم رؤاهم في صياغة كل من جدول الأعمال والعملية نفسها.
وفي وقت سابق من هذا العام، نظم مكتبي سلسلة من الحوارات السياسية في عدن مع ممثلي المجتمع المدني من مختلف المحافظات، بما في ذلك لحج وأبين والضالع وشبوة. جمعت هذه الحوارات ممثلين عن منظمات محلية، ومجموعات نسائية، ونشطاء من الشباب، ومؤثرين، وغيرهم من الفاعلين الجهات الفاعلة في المجتمع المدني، بهدف تعزيز التواصل مع أصحاب المصلحة المحليين والاستفادة من رؤاهم حول القضايا الجوهرية التي تؤثر على مسار البلاد نحو السلام.
ستواصل الأمم المتحدة الدعوة إلى آليات شاملة ودعمها بما يضمن أن يكون لممثلي المجتمع المدني، وخاصة النساء والشباب، دور في صياغة مستقبل اليمن. وفي نهاية المطاف، فإن أي عملية سياسية تستبعد نصف السكان ليست مجرد أمر غير عادل، بل ببساطة لن تنجح.
يعقوب: ما الرسالة التي تود إيصالها للشعب اليمني ولأصحاب المصلحة عبر هذه المقابلة مع مركز سوث24؟
غروندبرغ: أشكركم على إتاحة هذه الفرصة.
أعلم أن الكثير من اليمنيين قد سئموا - سئموا من الانتظار، ومن حالة عدم اليقين، ومن الوعود التي لم تتحقق. ومع ذلك، ما زال الأمل قائماً. فالسلام ما زال ممكناً. بصفتي المبعوث الخاص، أحمل معي صدى ما سمعته من اليمنيين من قصصٍ وإحباطاتٍ وآمالٍ في جميع أنحاء البلاد وخارجها. ما زلت ملتزماً بهذا الجهد، وبالانخراط الصادق، وببذل كل ما وسعي للمساعدة في تهيئة الطريق للمضي قدماً. طريق يعكس كرامة الشعب اليمني وقوته وتطلعاته.
اليمن لم يعد يحتمل مزيداً من التشرذم أو الجمود السياسي. فالثمن ليس مجرد فكرة نظرية، بل تتجلى في تفاقم المعاناة، وتدهور الاقتصاد، وتآكل ثقة الناس.
قد لا تكون هناك لحظة مثالية لاتخاذ قرارات سياسية جريئة، لكن المسؤولية تقتضي تغيير المسار: تقديم المصلحة الوطنية فوق الحسابات الضيقة، وتهيئة المجال لحوار شامل، والانتقال من حالة الجمود إلى مسار سياسي قابل للتطبيق.
اقرأ المزيد: https://south24.org/news/news.php?nid=4850