إحاطة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن أمام مجلس الأمن

OSESGY@

15 أكتوبر 2020

إحاطة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن أمام مجلس الأمن

السيد الرئيس،

شكراً جزيلاً على هذه الفرصة، وأود أن أبدأ بملاحظة غير اعتيادية لأقول أنّ لدينا أخبار سارّة في اليمن اليوم . فكما تعلمون منذ هذا الصباح تشهد سماء اليمن ما يروق لي أن أصفه بجسر جوي للأمل

لقد بدأ الطرفان بعملية إطلاق سراح الأسرى والمعتقلين، إثر الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه في 27 أيلول/سبتمبر في سويسرا و ستفضي هذه العملية إلى إطلاق سراح ما يزيد على ألف شخص  سيعودون جميعاً الى عائلاتهم. وسيكون لهذه العملية أثر طيب مباشر في التفريج عن هموم كثير من العائلات التي صبرت على الألم في انتظار لمّ شملها مع أحبائها بالاضافة الى عائلات أخرى مقرّبة منهم والأصدقاء والأقرباء وأهل مجتمعهم. وهذا العدد استثنائي على ضوء استمرار الأعمال العدائية وقد علمت انّ هذه هي اكبر عملية اطلاق سراح في تاريخ النزاع في اليمن.

ولا بدّ أن أعبّر عن امتناني العميق للجنة الدولية للصليب الأحمر ورئيسها بيتر ماورير من اجل عملهم معنا من أجل التوصّل الى هذا الاتفاق والعمل الدؤوب لتنفيذ هذا الاتفاق وهي مهمة معقّدة للغاية.  وأتقدم بالشكر إلى الحكومة السويسرية على استضافتها لهذا الاجتماع في بيئة داعمة خاصة في وقت تفرض معطياته صعوبات كثيرة على عقد اجتماعات وجهاً لوجه . وأودّ أن أنتهز هذه الفرصة، السيد الرئيس، لأهنّئ نائبي السيد معين شريم على ما أبداه من إصرار وعزيمة وعلى وساطته للوصول إلى هذا الاتفاق. فأنا ممتنّ له وجميعنا في البعثة ممتنون له.

والأهم من ذلك، اودّ أن  أثني على الطرفين ونعلم أنّ قياداتيهما عقدت العزيمة ووالتزمت  في الانخراط الضروري لإرسال وفديهما إلى سويسرا  لعقد المحادثات وخلال فترة التفاوض لإجراء تفاوض بنَّاء، ناجح، مفصّل، والعمل  ليلاً ونهاراً من أجل التوصّل إلى  هذا الاتفاق حول اطلاق سراح ما يزيد عن الف شخص .

لكنَّ هذه العملية التي تجري حالياً ، السيد الرئيس، لا تشتمل على آلاف اليمنيين الآخرين الذين تمّ اعتقالهم خلال هذا النِّزاع. لذلك من واجبنا ومن واجب الأطراف  عقد اجتماع قريباً جداً  لمناقشة مسألة إطلاق سراح مزيد من الأسرى والمعتقلين بموجب الالتزام الذي أبداه الطرفان ضمن اتفاق استوكهولم في كانون الاول/ديسمبر 2018 لإطلاق سراح جميع الأسرى والمعتقلين على خلفية النِّزاع. في الحقيقة في لقائي الأوّل مع الرئيس هادي، كان هذا هو الموضوع الأول الذي أثاره معي: الحاجة لإطلاق سراح جميع الأسرى. وأود أن أجدّد دعوتي للطرفين لإطلاق سراح جميع المدنيين المعتقلين تعسّفاً على الفور ودون قيد أو شرط بمن فيهم الصحافيون والسجناء السياسيون. كما أثمِّن دور الجهات الفاعلة اليمنية ومنظمات المجتمع المدني في اليمن في دأبهم المستمر ومناصرتهم التي نجحت في كثير من الحالات في إطلاق سراح المعتقلين المدنيين والكشف عن مصير المخفيين قسراً.

وكلنا أمل في أن يؤدي تنفيذ اتفاق الأسرى إلى بناء الثقة والزخم بإثبات حقيقة بسيطة:  أنَّ الحوار السلمي والمفاوضات بين الأطراف يمكن أن تعيد مسار الطريق إلى السلام .

وأود أن أذكر، السيد الرئيس،  عودة الجرحى اليمنيين ممن ذهبوا إلى عُمان لتلقي العلاج الطبي في وقت قريب من عقد محادثات استوكهولم  في عام 2018، الى صنعاء اليوم وهو خبر جيد لمن وجد أخيراً سبيل العودة إلى دياره.

السيد الرئيس

ما زال مكتبي يجري تفاوضاً بين الطرفين للتوصّل إلى اتفاق حول إعلان مشترك . وما زال الطرفان منخرطين في عملية التفاوض إلا أنهما لم يتفقا بعد على نصّ نهائي للإعلان. وليس في ذلك مصدر للمفاجأة ولا الإحباط لي بصراحة، فنحن نطلب الكثير من الطرفين. عدت لتوّي من زيارة الى الرياض حيث عقدت اجتماعات هامة ومطوّلة مع الحكومة اليمنية طبعاً والرئيس هادي  بالإضافة إلى قيادة التحالف العربي.   لست متفاجئاً  ولا أشعر بالإحباط. نحن نطلب الكثير. والإعلان المشترك يمثل مجموعة طموحة من الاتفاقات، كما قال لي الرئيس هادي، تتضمّن كما تعلمون  وقفاً لإطلاق النار في كافة أنحاء اليمن وتدابير اقتصادية وإنسانية واستئنافاً للعملية السياسية ولعلها النقطة الأهم من بين الثلاثة. اذاً انا أتفهّم أن يأخذ الطرفان الوقت الكافي لعبور ذلك الحاجز لاسيما وأنّ  المفاوضات انعقدت في أثناء انتشار جائحة عالمية فقد انطلقت في آذار/مارس وقد اتت كما تعلمون سيدي الرئيس اثر دعوة الأمين العام لوقف اطلاق نار شامل في العالم كله ومن ثم دعوته لوقف اطلاق النار في اليمن بشكل خاص في خضم الجائحة والاقفال التام وفي ظل احتدام الحرب في ميدان المعركة في اليمن. وانحصر عقدها من خلال الدبلوماسية المكوكية وكان معظمها يتمّ عن بعد بسبب القيود المفروضة استجابة لجائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19). فلم يتسنَّ للطرفين بعد مناقشة الإعلان المشترك وجهاً لوجه. ونعلم الآن أنّ اللقاء عن بعد قد يسمح بإحراز تقدّم كبير  لكنه لا يغني عن الحاجة لأن يقوم الطرفان بالتفاوض معاً لفهم الالتزامات التي سيقومون بها تجاه بعضهم وهذا ما زاد من أهمية الاجتماع حول المعتقلين ليشّكل خرقاً هاماً .

السيد الرئيس، إنَّ الهدف الرئيس من الإعلان المشترك يتمثل في إنهاء الحرب  وفتح المجال أمام السلام. واستئناف هذه العملية كما قلت  أمر حتمي وهو بصراحة واجب تجاه  شعب اليمن. عقدت لقاءً بالأمس في الرياض مع مجموعة من النساء اليمنيات، معظمهنّ من الجنوب وأكّدن لي من جديد،  انّ الكيل قد طفح، وهو ما اعتدنا سماعه كل مرة نلتقي المجتمع المدني والمجموعات النسائية. لقد دامت هذه الحرب أطول مما تحتاج اليه.   

ما من كلمة تفي للتأكيد، من خلالكم ومن خلال هذا المجلس،  على الضرورة العاجلة لأن يختتم  الطرفان المفاوضات حول هذا الإعلان المشترك، فما تعلمناه من النِّزاع في اليمن، ولعلها حقيقة عامة،  أنَّ مرور الوقت في هذه النزاعات الداخلية، يزيد من صعوبة التوصّل إلى حلّ. فالأطراف الفاعلة فيه تنقسم وتتضاعف. أمَّا مؤسسات الدولة فتتهالك، ويصبح النِّزاع أكثر رسوخاً ويتحوّل الى واقع جديد، بينما يهدّد اقتصاد الحرب الاقتصاد الوطني ويخلق الحوافز المالية لمن يريدون الاستمرار في القتال. ويزداد في ظل ذلك تدخّل الجهات الفاعلة الخارجية كلما سنحت الفرصة وفي اليمن، كما في أي مكان آخر،  كلما طال أمد النزاع، لا تزداد معاناة الشعب فحسب بل تزداد صعوبة تغيير الظروف التي يعيش الشعب تحت وطأتها.

السيد الرئيس، بالنسبة الى الجبهة العسكرية، ، فقد انخفضت وتيرة القتال في مأرب خلال الأيام الماضية، - وقد ناقشنا غالباً الحملة في مأرب.  هذا مهمّ لكنَّ الوضع ما زال هشّاً. وأكرّر ندائي بوقف الهجوم على مأرب وقفاً كاملاً وفورياً.

واسمح لي أن أعبِّر عن قلقي إزاء الوضع في الحديدة. فبينما ما زالت بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة مستمرة في جهودها لإعادة تنشيط لجنة إعادة الانتشار والتنسيق والآليات المشتركة الواردة في القرار لتنفيذ اتفاق الحديدة، شهد الوضع الأمني في مدينة الحديدة ومحافظتها تدهوراً كبيراً منذ إحاطتي الأخيرة. ففي خلال الأسبوع الأول من شهر تشرين الأول/أكتوبر، تطوّرت المواجهات في جنوبي الحديدة، خاصَّةً في مديريتي الدريهمي وحيس، إلى واحدة من أكثر أعمال القتال حدَّة منذ توقيع اتفاق استوكهولم في كانون الأول/ديسمبر 2018 أوقعت حسبما علمنا،  خسائر كبيرة في الأرواح في صفوف المدنيين والمقاتلين طبعاً. وتقوم بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة بدعم مني بالتواصل مع الطرفين تواصلاً مكثفاً كما أطلقنا نداءات عامة طالبين وقف القتال. وبناء على ذلك، يبدو أن الوضع الآن متوتر لكنّه هادئ. وآمل أن يحافظ الطرفان  على هذا الهدوء ويجنّبا السكان المحليين مزيداً من المخاطر ويحولا دون وضع استمرارية وأهمية اتفاق الحديدة على المحك.

السيد الرئيس، أُودّ أن أتناول اليوم على الوضع في تعز، ذلك المعلم التاريخي في اليمن كما تعلمون والذي عانى الكثير عبر السنين.  لقد كانت ساحة اقتتال طوال السنوات الماضية وعاش سكانها في منطقة حرب طوال الوقت. والحاجة أصبحت ماسة للعثور على حلّ لليمن طبعاً ولكن الحاجة ماسة ايضاً الى حلّ يحدث خرقاً بين القوى المتعددة في تعز. ينبغي أن يجمع ذلك الحل أصحاب المصلحة كلهم بمن فيهم مجموعات المجتمع المدني والمجموعات النسائية بشكل خاص وهم ناشطون جداً في تعز  للمساهمة في عملية المصالحة وحماية المدارس والسماح للعمّال بالذهاب إلى عملهم، ورفع وطأة المعاناة عن سكّان تعز.  وهو أمر غاية في الأهمية.

والآن، السيد الرئيس، أودّ التطرق إلى مسألتين تتطلبان إجراءً عاجلاً بشأنهما للحد من تفاقم  المعاناة في اليمن، وأعلم أن مارك سيطلعنا أنّ النقص في الوقود، ، في المناطق الخاضعة لسيطرة أنصار الله له أثر في منتهى الضرر طبعاً  على السكان المدنيين. فالأسعار في ارتفاع، والخدمات الحيوية باتت متأثرة بذلك. وقد سمحت الحكومة اليمنية منذ ايام بدخول عدد من سفن المشتقات النفطية إلى الحديدة هذا الأسبوع، في خطوة إيجابية كبيرة. لكنَّ احلّاً يتفق عليه الطرفان بات امراً ضرورياً  . ونحن نعمل منذ أشهر مع الطرفين للاتفاق على مجموعة من الترتيبات التي من شأنها ضمان تدفق لا ينقطع للوقود إلى المناطق الخاضعة لسيطرة أنصار الله وجوارها للسماح بوصول المساعدات الإنسانية الى من هم بحاجة. وأحثّ الطرفين بالطبع على الانخراط معي حول المقترحات التي بين أيديهم لتحقيق ذلك.

الأمر الثاني يتعلق بصافر، الخزَّان العائم، وإنني أدرك الرسالة الإيجابية العامة التي صدرت من صنعاء بهذا الخصوص منذ أيام. شكراً ولست بحاجة إلى أن أعيد ما قلته وما قاله مارك في عدد غير قليل من المناسبات لهذا المجلس حول الأهمية الحيوية لمنح الأمم المتحدة من خلالUNOPS  الإذن لتقييم الخزَّان العائم وإجراء أعمال الصيانة المبدئية العاجلة. فنحن جميعاً نعلم الخطر المحدق به. وشعب اليمن مدرك للخطر الكامن والامر طارئ أكثر من أي وقت مضى.

السيد الرئيس، قبل عشرين عاماً ، أصدر هذا المجلس القرار رقم 1325 الذي مثّل علامة فارقة فيما يتعلق بالمرأة والسلام والأمن إذ اعترف بمساهمات المرأة في السلام مُشدِّداً على الآثار غير المتناسبة للنزاع المسلّح على النساء والفتيات. وفي اليمن، عملت وتعمل النساء،  دون كلل أو ملل غالباً خلف الكواليس ودائماً بعيداً عن الأضواء  لإيقاف هذه الحرب والحدّ من العنف وإطلاق سراح المعتقلين وإعادة بناء السلام. وهنَّ يفعلن كل ذلك رغم الصعاب، بشجاعة لا يمكن تصوّرها وغالباً  في ظروف تمثل تهديداً على حياتهن ومورد رزق عائلاتهنّ.

ومن هنا، أُذكِّر أطراف النزاع في اليمن، في هذه الذكرى وهذه المناسبة باتخاذ التدابير الخاصة لحماية النساء والفتيات والمدافعين عن حقوق الإنسان من أي نوع من أنواع العنف والتهديد. وآمل أن يستجيبوا كما نستجيب نحن لنداءات النساء اليمنيات المطالبات باستمرار بالسلام العادل والمنصف، وكما قلت هذا ما سمعته منهنّ بالأمس في الرياض، ليس بأيّ سلام بل بسلام عادل ومنصف . كما أناشد الأطراف تعزيز المشاركة  الحقيقية للنساء بما في ذلك عن طريق ضمان تمثيل نسوي لا يقل عن 30 %  في وفودهما التفاوضية. وأذكّر الجميع بما توصّلت اليه المساهمة الاستثنائية للنساء في الحوار الوطني في اليمن  إذ كان اليمن ايقونة المشاركة النسائية في الحوارات الوطنية.

السيد الرئيس، في النهاية، أود التطرّق قليلاً إلى موضوع التعليم. وأنا أشير إليه لا من الناحية الإنسانية فقط ولكن كإشارة الى ثمن الحرب، وكان من المفترض أن أقول هذا لكم ، السيد الرئيس وللمجلس ، من خلال نص حول مدرسة معينة في تعز ، حيث يعرّض  الأطفال حياتهم للخطر للذهاب الى المدرسة ولكنّهم يذهبون. مدرسة فيها القليل من المواد والتجهيزات، إن وجدت ، ونادرًا ما يتقاضى المعلمون فيها رواتبهم ، ولكنّهم يذهبون. وهذا النضال ، هذا النضال لمواصلة التعليم للجيل القادم هو أمر لافت، ونراه في كل نزاع، ونراه في اليمن. وهو شهادة على شجاعة العائلات اليمنية ومعاناة أطفال اليمن.

شكراً السيد الرئيس.