إحـــــاطة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن السيد مارتن غريفيث إلى مجلس الأمن

16 أبريل 2020

إحـــــاطة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن السيد مارتن غريفيث إلى مجلس الأمن

 

 السيد الرئيس،

شكرًا جزيلاً على منحي الفرصة لإحاطة هذا المجلس.

هناك فرصة سانحة أمامنا لإحلال السلام في اليمن. وتأتي هذه الفرصة في الوقت الذي تمر فيه البلاد ببعض من أصعب ما مر عليها من أيام. فقد استمرت التصعيدات العسكرية على عدة جبهات على مدى ثلاثة أشهر. ثمَّ وصلت جائحة فيروس كورونا المستجد إلى اليمن لتهدد بتعميق معاناة اليمنيين وزيادة نطاقها. ليس هناك وقت أفضل لتلتزم الأطراف بإسكات البنادق وإنهاء النزاع عن طريق حل سياسي سلمي.
 

لقد دفع تهديد الجائحة بجهود اليمنيين والمجتمع الدولي قدمًا نحو السلام. وفي الخامس والعشرين من آذار/مارس، وجَّه الأمين العام للأمم المتحدة نداءً عاجلاً للأطراف للوقف الفوري لكل الأعمال العدائية في اليمن، وناشدهم التركيز على الوصول إلى تسوية سياسية من خلال التفاوض، وبذل كل ما يمكن فعله في مواجهة الجائحة.

وقد رحَّبت الحكومة اليمنية على الفور بنداء الأمين العام للأمم المتحدة، كما فعلت قيادة أنصار الله، إضافة إلى الدعم الكبير من القادة السياسيين اليمنيين والمجتمع المدني بما يتضمن فئتا النِّساء والشباب.

 

أذهلني الثبات والوضوح في رسائل اليمنيين على مدى الأسابيع الماضية في شتى أنحاء اليمن ومفادها أنَّهم يريدون إنهاء الحرب ويريدون من قادتهم الاتفاق على حل خلافاتهم من خلال الحوار والتفاوض. وفي مثال واحد على ذلك، في لقائي مع المجموعة النسوية اليمنية الاستشارية المُختصّة، وهي المجموعة التي تقدم الدعم والنصيحة والإرشاد للبعثة، شددت عضوات المجموعة في حديثهن معي على أنَّ الحرب يجب أن تتوقف الآن، وركَّزن على أهمية الاتفاق على التدابير الإنسانية خاصَّةً فيما يخص تحسين حرية الحركة وإطلاق سراح المحتجزين على خلفية الحرب.

وفي الثامن من نيسان/أبريل، أعلن التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية وقفًا لإطلاق النَّار من جانب واحد لمدة أسبوعين مبدئيًا. وأوضح الإعلان أنَّ الهدف الصريح من وقف إطلاق النار هو إيجاد البيئة المواتية لإنجاح الجهود التي تقودها الأمم المتحدة نحو تحقيق السلام والتي أشار لها الأمين العام للأمم المتحدة. أود التعبير عن امتناني للتحالف ولقيادة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان على هذه المبادرة الإيجابية التي تمثل إشارة واضحة إلى الالتزام بحل سلمي سياسي للنزاع ودعم جهود الأمم المتحدة لتحقيق هذا الهدف في اليمن. وكان المجتمع الدولي أيضًا واضحًا في دعمه، فقد قدمت العديد من الحكومات في المنطقة وخارجها المساعدة خلف الكواليس في تلك الفترة ممارسين جهودًا مهمة للمناصرة في الوقت المناسب لدعم جهودنا.

 

وإنَّني أيضًا ممتن، سيدي الرئيس، لمجلسكم هذا لدعمكم المستمر لجهود الأمم المتحدة نحو إنهاء هذا النزاع.

 

السيد الرئيس،

 

تتجه الأنظار كلها إلى أطراف النزاع الآن. هذا وقت اتخاذ القرارات الصعبة. ولا ينبغي على أي منا الاستهانة بالمطالب الموجهة لقيادات الطرفين. فالقرارات التي يتعين على الطرفين اتخاذها الآن لها أهمية وجودية بالنسبة لمستقبل بلادهم. وأعلم أن حكومة اليمن، وقيادات أنصار الله أيضًا، يريدون إنهاء هذا النزاع على أساس سلام عادل. وأنا ممتن لهم على ذلك. وأعلم من خلال لقاءاتي بالرئيس هادي على مدار عامين منذ توليت شرف هذه المهمة، أن تركيزه دائمًا منصب على تحقيق ما هو أفضل لمستقبل بلاده.

إثر نداء الأمين العام، عرضت مقترحات على الطرفين. المقترح الأول  يتمحور حول وقف إطلاق النَّار في عموم اليمن، والثاني حول أهم التدابير الإنسانية والاقتصادية التي تتضمن إطلاق سراح السجناء والمحتجزين، وفتح مطار صنعاء الدولي، ودفع رواتب موظفي القطاع الحكومي، وفتح الطرق الرئيسية، وضمان رسو السفن المحملة بالسلع الأساسية في موانئ الحديدة، وجميعها تدابير ستساعد بشكل مباشر وغير مباشر في مواجهة جائحة فيروس كورونا المستجد. أمَّا المقترح الثالث فيخص الاستئناف العاجل للعملية السياسية.

 

وعلى مدار الأسبوعين السابقين، منذ تقديم تلك المقترحات، انخرطت في مفاوضات متواصلة مع الطرفين حول نصوص وتفاصيل هذه الاتفاقيات. ونتوقع أن يوافق الطرفات على الاتفاقيات المذكورة وأن يتبنيانها رسميًا في المستقبل العاجل. ولم تتأثر سرعة المفاوضات أبدًا، سيدي الرئيس، بضرورة إجرائها بشكل افتراضي. بل إن المحادثات التي نعقدها مع الطرفين وكذلك استشاراتنا مع التحالف العربي وغيره من الجهات الفاعلة الدولية مستمرة ومفصلة وبناءة. وأستطيع القول إنَّنا نحرز بالفعل تقدمًا جيدًا للغاية. وأؤمن وآمل أننا في طريقنا للتوصل لتوافق حول المقترحات التي قدمتها، خاصَّةً حول مبدأ وقف إطلاق النَّار في عموم اليمن وهو المبدأ الذي يدعمه الطرفان. ونحن الآن نكرر مضاعفة جهودنا لتجسير أهم نقاط الاختلاف بين الطرفين في نصوص المقترحات قبل أن نعقد بينهما اجتماعًا افتراضيًا تُطرَح فيه الاتفاقيات ويتم تأكيدها، كما أتمنى، ثم نشرها.

 

وأنا ممتن للطرفين على الطريقة التي تعاملوا بها مع المفاوضات مع الأمم المتحدة، حيث اتسم تعاملهم بالانفتاح والصراحة والتركيز والالتزام بعدم التأخير.  في نقاشاتي مع السيد عبد الملك الحوثي، كان دائم التعبير عن رغبته في إنهاء هذه الحرب. بالإضافة إلى ذلك، لا شك في أنَّ التوافق الدبلوماسي الملموس في سياق اليمن، وخصوصًا فيما يتعلق بهذه العملية الحالية، والذي تمتع بتحفيز وتوجيه الأمين العام للأمم المتحدة، يلعب دورًا حاسمًا ومحوريًا في دفعنا جميعًا، والطرفين أيضًا، نحو إنجاح إبرام هذه الاتفاقيات على المدى القريب كما نأمل.

 

السيد الرئيس،

 

من المحزن أنَّ الأنشطة العسكرية ما زالت مستمرة على عدد من الجبهات رغم النداءات العديدة التي وجهها اليمنيون والمجتمع الدولي وهذا المجلس لإيقافها. وأخشى أن تستمر تلك الحرب إلى أن نصل إلى اتفاق على مقترحاتنا بما في ذلك وقف إطلاق النَّار في عموم اليمن. ومازالت محافظة مأرب، شرقي صنعاء، تمثل مركز الجاذبية لهذه الحرب، إلا أنها ليست المسرح الوحيد لها. وكلما سارعنا في إيقاف القتال، كان ذلك أفضل.

فما زال القتال العنيف الدائر يحصد حياة مزيد من المدنيين اليمنيين الأبرياء، وأثق أن مارك سوف يطلعنا على التفاصيل. وأود لفت انتباه المجلس أيضًا إلى الاعتداء الفارغ من المعنى الذي وقع على قسم النِّساء في السجن المركزي في مدينة تعز في الخامس من نيسان/أبريل الجاري، والذي أصاب وأودى بحياة الكثيرين، بما يتضمن النِّساء والأطفال. وقد أدنت هذا الاعتداء المروع، كما أدانه الكثير من اليمنيين والمسؤولين الأمميين، وشددت مجددًا، ولم تكن المرة الأولى، على ضرورة حماية أرواح المدنيين والمنشآت والمرافق المدنية بما فيها السجون بموجب القانون الدولي الإنساني. 

في الحديدة، ما زالت انتهاكات وقف إطلاق النَّار قائمة ومتكررة بشكل يومي بالمستوى ذاته الذي تحدثت عنه في إحاطتي السابقة. وإثر الحادثة المؤسفة للإصابة الخطيرة لضابط ارتباط من طرف الحكومة اليمنية بنيران القناصة، توقف عمل لجنة تنسيق إعادة الانتشار والآليات المشتركة الخاصة بتنفيذ اتفاقية الحديدة عمليًا.

وبينما نجاهد جميعًا في المحافظة على الاستقرار في الحديدة وإنجاز وقف لإطلاق النَّار في عموم اليمن كتعزيز بالتوازي، وهو الإنجاز الذي يلوح في الأفق الآن، من المهم، بل هو جوهري، أن يستئنف الطرفان عمل لجنة تنسيق إعادة الانتشار والآليات المشتركة التي تدعمها. وأعلم أن زميلي الجنرال غوها، رئيس بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة، مازال مستمرًا في جهوده للعمل مع الطرفين للحيلولة دون تدهور الوضع أو التأثر بتبعات التصعيد في مناطق أخرى.

 

السيد الرئيس،

 

تتطلب جائحة فيروس كورونا في اليمن جل اهتمامنا ومواردنا، فاليمن لا يستطيع القتال على جبهتي الحرب والجائحة في نفس الوقت. وهذه المعركة الجديدة في مواجهة الجائحة قد تستنزف قدرات اليمن. وأعلم أن هذا هو تقدير زملائي تحت قيادة مارك وتحت قيادة ليز غراندي في اليمن، وهو التقدير الذي يثير مخاوفنا. أقل ما يمكننا فعله من جهتنا هو وقف هذه الحرب لتوجيه كل اهتمامنا إلى هذا التهديد الجديد. وقد سمعنا نداءات ومناشدات من عموم اليمن تطالبنا جميعًا بوضع الفيروس وجائحته في مقدمة الأولوية. وأعرف أنَّ قادة الطرفين وكذلك القادة في المنطقة يفهمون ذلك تمامًا كما يفهمه الجميع.

شكرًا، سيدي الرئيس.