في السويد: طاقة أمل لليمن

UNOCHA/Mattheo Minasi

7 ديسمبر 2018

في السويد: طاقة أمل لليمن

مارتن غريفيث، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة الى اليمن

لقد طالت المعاناة في اليمن. حيث تسببت الحرب التي دامت أكثر من ثلاث سنوات في مقتل الآلاف ونزوح أكثر من 500 ألف شخص، كما تفشى أسوأ وباء للكوليرا، وصار نحو 14 مليون يمني على حافة المجاعة. لكن في ضوء عزم اليمنيين على تفادي المجاعة، وشوقهم وحرصهم على لمّ شملهم مع أحبائهم، وتقديم الرثاء الواجب لضحايا هذه الحرب، وحرصهم على حماية مستقبل أطفالهم، ها هم اليمنيون يجمعون شذرات الأمل في أنّ هذا الصراع يمكن أن ينتهي.

تجتمع الحكومة اليمنية يوم الخميس في السويد، مع الطرف الآخر في هذه الحرب حركة أنصار الله. الأمر تطلّب الكثير من العمل، وبعض الفُرَص الضائعة لكي توافق الأطراف المتصارعة على الاجتماع معا، لتُقدّم لنا بصيص أمل لاستئناف عملية السلام في اليمن. إنها لبداية مهمة أن نرى الأطراف المتحاربة تجلس معاً لتتحدّث، وهذا الحديث يتطلب من الطرفين التخلي عن طموحهم بتحقيقِ نصرٍ عسكري.   

خلال الأشهر الثمانية الماضية وبصفتي وسيطا للأمم المتحدة في هذا الصراع، حذرت مرارا من أن الحرب تسحب فُرص السلام من على الطاولة. اليوم، السلام يحظى بآفاق أقوى من أي وقت مضى. لقد حان الوقت للدفع قدما بمبادرات إطفاء نار الاقتتال.

يُعتبر ميناء الحديدة على البحر الأحمر والمدينة ذاتها نقطة الاشتعال في هذا الصراع، حيث تضاءل عدد سكان المدينة منذ يونيو/حزيران الماضي، ليصل الى 150 ألف نسمة، بعد شهور من القتال الشديد. آمل خلال هذا الاجتماع هذا الأسبوع في السويد أن يحافظ جميع الأطراف على عدم التصعيد في الحديدة، حيث تسعى الأمم المتحدة للتوصل إلى اتفاق تفاوضي لتجنيب المدينة والميناء خطر التدمير ولضمان التشغيل الكامل للميناء. والتوصل إلى مثل هذا الاتفاق سيحمي شريان المساعدات الإنسانية الأساسي لشعب اليمن من التوقف أو التدمير وهذا سوف يساعد في طرد شبح المجاعة الذي يلوح في الأفق. حيث يقدم برنامج الأمم المتحدة للغذاء المساعدات لثمانية ملايين شخص في اليمن كل شهر، لكن الزملاء يستعدون لما هو أسوأ، حيث خطر المجاعة يلوح في الأفق، لأن ملايين اضافية من اليمنيين لا يستطيعون شراء الطعام حتى في الأماكن التي يتوفر فيها ذلك الطعام.

خلال الأسابيع الماضية، أظهر الطرفان استعدادهما للقيام بمبادرات إنسانية هامة، حيث سُمح لبعض أسرى الحرب من كلا الطرفين، الذين لم يُسمح لهم بالاتصال بأسرهم خلال أربع سنوات من الحرب، بالقيام بذلك. وتمكّن 50 يمنيًا من السفر من صنعاء إلى مسقط لتلقّي العلاج، وهو أمر لم يحدث منذ سنوات. وبينما نجتمع في السويد، نعلن توقيع الطرفين على الاتفاق الذي طال انتظاره بشأن تبادل السجناء. تنتظر آلاف العائلات في اليمن أقاربها المفقودين، واليوم يمكن لهذه العائلات أن تسعد بلمّ شملها مع أحبائها.

هذه المشاورات السياسية في السويد هي الخطوة الأولى نحو وضع اليمن على طريق السلام، وآمل أن تضع الأطراف اليمنية بنهاية هذه الجولة اتفاق إطار يرسم الخطوط العريضة لاتفاقية شاملة، ليتم لاحقا تقديمها إلى الأمين العام للأمم المتحدة ثم إلى مجلس الأمن للمصادقة عليها، وآمل أن يصبح ذلك الإطار خريطة طريق عامة للسلام.

بصفتي وسيطاً، أنا أؤمن ان إنهاء الحرب أمر مختلف عن بناء السلام. ربما تكون الأولوية في أي عملية سلام تذهب أولاً إلى أولئك الذين يستطيعون وقف القتال. الا أنه بعد ذلك يأتي دور أبناء الشعب الذين تستحق أمتهم السلام، والذين ستتحول أسرهم الى المستفيدين من السلام، بدلاً من أن يكونوا ضحايا الحرب. على مدى شهور من اللقاءات مع اليمنيين من خلفيات متنوعة، لمست عن قرب مهاراتهم في إيجاد أرضية مشتركة، وفي فن التفاوض بهدف التوصل إلى اتفاق.

وقد تجلى ذلك بوضوح في مؤتمر الحوار الوطني الذي انعقد في صنعاء من آذار/مارس  2013 إلى كانون الثاني/يناير 2014، عندما اجتمع 565 شخصًا يمثلون شريحة كبيرة من سكان اليمن معًا، وناقشوا ما ينبغي أن يكون عليه مستقبل البلاد. لقد كان المؤتمر ولا يزال، مثالاً دولياً رائداً على التسوية الشاملة المدروسة جيداً. هذا هو اليمن الذي نريد جميعا أن نعود إليه.

وهذا يعطيني بعض الثقة في أنه عندما يجتمع الطرفان في السويد، فإن المبدأ الذي يجمعهما هو أن الموائمات المتبادلة هي أساس المفاوضات، وان التسويات تعود بالنفع على كلا الجانبين، وعلى شعب اليمن أولاً وقبل كل شيء. ونأمل أن يكون إحراز تقدم في تدابير بناء الثقة والتوصل إلى اتفاق بشأن إطار سياسي سمةً لروح التوافق هذه.

لم يكن هناك مثل هذا الاجماع الدولي في أي وقت من الأوقات لحث الأطراف على التوصل إلى حل لهذا الصراع، حيث يتصدر اليمن جدول أعمال الأمين العام للأمم المتحدة، كما إن مجلس الأمن متحد في الرغبة في إنهاء هذا الصراع. ولقد أظهرت بلدان المنطقة تعاونها الكامل مع عملنا لاستئناف العملية السياسية. ومع ذلك، فإن الأشخاص الموجودين حول طاولة المشاورات، هنا، في هذا الجزء الهادئ والبعيد في السويد، هم الذين يمكنهم تحويل تلك الآمال الى واقع. نتمنى أن ينجحوا في ذلك من أجل أطفال اليمن.

 

نشرت النسخة العربية من المقال في جريدة الشروق يوم 7 ديسمبر

نشرت النسخة الإنجليزية في نيويورك تايمز بتاريخ 6 ديسمبر