التقرير العام الثالث حول سلسلة الحوارات السياسية المنعقدة في عدن خلال الفترة من 14 إلى 22 يناير 2025 لتعزيز عملية السلام في اليمن

الصورة لـOSESGY

9 مارس 2025

التقرير العام الثالث حول سلسلة الحوارات السياسية المنعقدة في عدن خلال الفترة من 14 إلى 22 يناير 2025 لتعزيز عملية السلام في اليمن

في إطار مواصلة الجهود لتعزيز عملية سلام شاملة ومستدامة في اليمن، عقد مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن سلسلة من الحوارات السياسية في عدن، بمشاركة ممثلين عن المجتمع المدني من مختلف المحافظات اليمنية. هدفت هذه الحوارات، التي انعقدت في الفترة من 14 إلى 22 يناير 2025، إلى تعزيز التواصل مع الجهات الفاعلة المحلية والاستفادة من رؤاهم حول القضايا المحورية التي تؤثر على مسار البلاد نحو السلام.

بالإضافة إلى مشاركة ممثلين من عدن، شملت الاجتماعات جلسات مع منظمات من محافظات لحج وأبين والضالع وشبوة، حيث جمعت 64 ممثلاً عن المجتمع المدني من مجموعة متنوعة من المشاركين بما في ذلك ممثلي المنظمات غير الحكومية المحلية، والكيانات النسوية، والناشطين الشباب، والمؤثرين، وغيرهم من الفاعلين في المجتمع المدني.

خلال المناقشات، قدم مكتب المبعوث الخاص نبذة حول الجهود المبذولة والأولويات الخاصة بالمسارات السياسية والاقتصادية والأمنية. كما استعرض المكتب المبادرات في مجال الوساطة، والمشاركات مع الجهات الفاعلة الرئيسية، واستراتيجيات دعم عملية سلام شاملة ومستدامة. وتم إطلاع المشاركين على الإطار العام الذي يوجه عمل المكتب، بما في ذلك الجهود المبذولة لدفع عجلة المفاوضات السياسية، ومعالجة التحديات الاقتصادية، وتعزيز التدابير الأمنية لدعم الاستقرار وحل النزاعات.

تأتي هذه الحوارات التي عُقدت في عدن مع ممثلي المجتمع المدني في إطار مبادرة أوسع لمكتب المبعوث الخاص تُعرف بـ سلسلة الحوارات السياسية. وقد عُقدت الجولة الأولى من هذه الحوارات السياسية في الفترة من 2 إلى 23 أكتوبر 2024 في عمّان (للمزيد من المعلومات عن الجولة الأولى)، بينما عُقدت الجولة الثانية في الفترة من 24 أكتوبر إلى 19 ديسمبر 2024 في عمّان (للمزيد من المعلومات عن الجولة الثانية)

الأولويات لتعزيز جهود السلام

خلال جلسات المناقشات مع المجتمع المدني، كان هناك إجماع على الحاجة الملحة لبناء الثقة والشفافية لدفع عملية السلام في اليمن. أكد المشاركون من مختلف المحافظات على أهمية الشمولية والتمثيل الواسع في مفاوضات السلام. وشددوا على ضرورة أن عملية السلام يجب أن لا تقتصر على الفاعلين السياسيين والعسكريين الرئيسيين فحسب، بل يجي أن تمتد لتشمل طيف أوسع من الأصوات المجتمعية، بما في ذلك الفئات المهمشة مثل النساء والشباب ومنظمات المجتمع المدني، والتي لعبت دوراً محورياً في جهود بناء السلام على المستوى المحلي.

تناولت المناقشات بشكل متكرر الحاجة إلى اتخاذ تدابير فورية لبناء الثقة كخطوة أساسية نحو تحقيق سلام مستدام. كان من بين الإجراءات المطروحة فتح الطرق الحيوية لتسهيل حركة المدنيين والتبادل الاقتصادي، والإفراج عن المحتجزين، وتنفيذ تدابير لتحقيق الاستقرار الاقتصادي لمواجهة التدهور الحاد في مستويات المعيشة بسبب الصراع. واعتُبرت هذه الإجراءات خطوات أساسية لاستعادة الثقة في عملية السلام وتقديم فوائد ملموسة للمواطنين اليمنيين، مما قد يسهم في دعم جهود المصالحة.

كما شدد المشاركون على أهمية تعزيز الشفافية في التواصل وضمان تنفيذ الاتفاقيات المبرمة مسبقاً، مثل اتفاق ستوكهولم ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، لضمان مساءلة جميع الأطراف. وأكدوا على ضرورة هذا النهج لسد فجوة الثقة التي تعمقت بسبب سنوات الصراع والتعهدات غير المنفذة، مما يستدعي التزام جميع الأطراف بتعهداتهم كأساس لبناء سلام دائم.

التحديات المتداخلة: الأولويات السياسية والاقتصادية والأمنية لتحقيق سلام دائم

تناولت الحوارات مجموعة من القضايا الحاسمة ذات الأبعاد السياسية والاقتصادية والأمنية، والتي تعد محورية لتشكيل مسار اليمن نحو سلام مستدام.

على الصعيد السياسي، أكد المشاركون على أهمية تنفيذ اتفاقيات وقف إطلاق النار بطريقة تعزز الاستقرار طويل الأمد، بدلاً من مجرد توفير هُدن مؤقتة تُستغل لإعادة التسلح. كما شددوا على ضرورة أن تكون العملية السياسية جامعة وتعكس تنوع المجتمع اليمني، وتضمن عدم احتكار المفاوضات من قبل القوى التقليدية، بل ان تشمل ايضاً المجتمع المدني، والشباب، والنساء. وأبدى المشاركون مخاوف مشتركة من أن عدم إشراك مختلف الأطراف قد يضعف شرعية أي تسوية سياسية ويؤدي إلى تفاقم الانقسامات.

إضافة إلى ذلك، تناولت المناقشات أهمية إيجاد نهج منظم وشفاف لمعالجة القضية الجنوبية، مع الاعتراف بأهميتها المركزية لمستقبل اليمن. وأكدوا على الحاجة لضمانات أولية – بما في ذلك التزامات سياسية أو مبادئ متفق عليها – لضمان التعامل الجاد مع القضايا الجنوبية وتجنب اقصائها في المراحل اللاحقة من عملية السلام.

الأولويات الاقتصادية والأمنية

كانت القضايا الاقتصادية في صدارة المناقشات، حيث أشار المشاركون إلى الحاجة إلى توزيع الموارد بشكل عادل، خاصة في المحافظات الغنية بالنفط والغاز والتي لم تستفد من عائداتها. ورأى المشاركون أن تحقيق الاستقرار الاقتصادي يمثل خطوة رئيسية في بناء الثقة، مع دعوات لاتخاذ تدابير عاجلة للحد من التضخم، واستقرار الريال اليمني، وإعادة تنشيط القطاعات الإنتاجية مثل الزراعة والثروة السمكية.

كما تم ربط التدهور الاقتصادي المستمر بالمخاوف الأمنية، حيث أدى تفاقم البطالة والفقر إلى زيادة تجنيد الشباب في الجماعات المسلحة. وتم تسليط الضوء على تعدد الفصائل المسلحة، بما في ذلك المدعومة من جهات إقليمية، كعائق رئيسي أمام التعافي الاقتصادي وجهود إصلاح القطاع الأمني. شدد المشاركون على ضرورة اعتماد آليات واضحة لإعادة دمج الجماعات المسلحة وضمان المساءلة، وحث المجتمع الدولي للعب دور أكثر فاعلية في معالجة التدخلات الخارجية التي ساهمت في إطالة أمد النزاع.

 

القضايا الخاصة بالمحافظات

خلال اللقاءات، طرحت كل محافظة تحديات وأولويات فريدة، تأثراً بظروفها السياسية والاقتصادية والأمنية المحلية. وبينما هناك بعض القضايا المشتركة بين مختلف المناطق، فإن بعض هذه التحديات عكست الاحتياجات والظروف الخاصة بكل محافظة، مما يكشف الحاجة إلى تبني نهج محلي ضمن إطار عملية السلام الأوسع.

عدن باعتبارها العاصمة المؤقتة ومركزاً سياسياً واقتصادياً رئيسياً، فهي تواجه تحديات متشابكة تؤثر على الحوكمة المحلية والمشهد الوطني بشكل عام. ركزت النقاشات على الأولويات الرئيسية، بما في ذلك تحسين الخدمات الأساسية وتعزيز الفرص الاقتصادية. شدد المشاركون على ضرورة تنسيق الجهود لتحسين تقديم الخدمات، ومعالجة التحديات القضائية وإنفاذ القانون لدعم استقرار طويل الأمد. وتم التشديد على أن إصلاح القطاع الأمني يُشكل ضرورة أساسية لضمان بيئة آمنة للمواطنين والأنشطة التجارية، مما يعزز استقرار الاقتصاد المحلي ويقوي قدرته على الصمود.

وسلط المشاركون من محافظة أبين الضوء على الحاجة العاجلة لاستعادة الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه. كما شكل تأثير عدم الاستقرار المستمر على جهود إعادة الإعمار محوراً رئيسياً للنقاش، مشددين على أهمية إيجاد توازن بين تلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة واستراتيجيات التنمية طويلة الأمد. كما أثيرت قضية النازحين والمجتمعات المستضيفة، حيث دعا المشاركون إلى اعتماد  آليات عادلة لتوزيع الخدمات، بما يعزز التماسك الاجتماعي والاستقرار.

وأكّد المشاركون من الضالع على أهمية الاستثمار في البنية التحتية، لاسيما في قطاعي الصحة والتعليم. مؤكدين أن تحسين هذه القطاعات أمراً حساماً للحد من الفقر وتعزيز الاستقرار طويل الأمد. كما سلطت النقاشات الضوء على أهمية تعزيز دور المجتمعات المحلية في التخطيط التنموي واتخاذ القرارات. وتم التأكيد على ضرورة إيجاد حلول مستدامة وزيادة الاستثمار في مشاريع البنية التحتية، بما في ذلك الطرق والرعاية الصحية والتعليم، لسد الفجوات التنموية التي أسهمت في تهميش المحافظة.

بينما هيمنت المخاوف المتعلقة بإدارة الموارد الطبيعية، خاصة عائدات النفط والغاز، على نقاشات المشاركين من محافظة شبوة. حيث أشاروا إلى التباين الواضح بين وفرة الموارد الطبيعية في المنطقة واستمرار الفقر في المجتمعات المحلية. وشددوا على ضرورة اعتماد آليات عادلة لتوزيع العائدات بما يضمن استفادة سكان شبوة من الثروة الناتجة عن مواردها الطبيعية. كما أثيرت مخاوف بشأن النزاعات على السيطرة على الموارد وتأثير الجهات الخارجية في المحافظة، مما يزيد من تعقيد الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار المحلي والعدالة الاقتصادية.

وسلّط المشاركون من محافظة لحج الضوء على أهمية موقعها الاستراتيجي بالقرب من عدن وتعز، باعتبارها نقطة عبور رئيسية، غير أنهم أعربوا عن مخاوفهم من تدهور الطرق والبنية التحتية، مما يفاقم من المصاعب الاقتصادية للمجتمعات المحلية. إلى جانب البنية التحتية، شدد المشاركون على أهمية إعادة إحياء الإمكانات الصناعية للمحافظة، بما في ذلك إعادة تشغيل مصانع الأسمنت، ودعم الإنتاج الزراعي، وتعزيز الصناعات المحلية لخلق فرص عمل وتعزيز قدرة الاقتصاد المحلي على الصمود. كما تم تحديد تحسين التنسيق الأمني وإعادة بناء الثقة بين المجتمعات والسلطات المحلية كأولويات رئيسية للحفاظ على الاستقرار وتعزيز التنمية الاقتصادية.

المضي قدماً

أوصى المشاركون بإنشاء آلية حوار أكثر تنظيماً تتضمن مشاورات منتظمة مع المجتمع المدني. كما دعوا الأمم المتحدة والجهات الدولية الأخرى إلى لعب دور أكثر فاعلية في تسهيل هذه الحوارات ودعمها. بالإضافة إلى ذلك، تم التأكيد على أهمية إطلاق مبادرات لبناء قدرات المنظمات غير الحكومية المحلية، لتعزيز قدرتها على المشاركة الفعالة في عملية السلام.

تُعد هذه النقاشات جزءاً رئيسياً من سلسلة الحوارات السياسية التي ينظمها مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، وذلك في إطار التزامه بتوسيع قاعدة المشاركة في عملية السلام اليمنية. ومن خلال دمج الرؤى والأفكار التي تم جمعها، يسعى المكتب إلى تعزيز جهوده في الوساطة ودعم مسار أكثر شمولاً واستدامة لتحقيق السلام.